جهده {في الله} أي: في قدرته وما يجمعه هذا الاسم الشريف من صفاته بعد هذا البيان الذي لا مثل له ولا خفاء فيه {بغير علم} أتاه عن الله تعالى على لسان أحد من أصفيائه أعمّ من أن يكون كتاباً أو غيره {ولا هدى} أرشده إليه أعمّ من كونه بضرورة أو استدلال {ولا كتاب منير} له نور منه صح لديه أنه من الله تعالى، ومن المعلوم أنه بانتفاء هذه الثلاثة لا يكون جداله إلا بالباطل، وقيل: قوله تعالى: {ومن الناس} كرّر كما كرّرت سائر الأقاصيص، وقيل: الأوّل في المقلدين، وهذا في المقلدين، وقوله تعالى:

{ثاني عطفة} حال أي: لاوي عنقه تكبراً عن الإيمان كما قال تعالى: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً} (لقمان، 7)

والعطف في الأصل الجانب عن يمين أو شمال، وقوله تعالى: {ليضلّ عن سبيل الله} علة للجدال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بضمها.

فإن قيل: على قراءة الضمّ ما كان غرضه في جداله الضلال لغيره عن سبيل الله، فكيف علل به وما كان على قراءة الفتح مهتدياً حتى إذا جادل خرج بالجدال عن الهدى إلى الضلال؟ أجيب عن الأوّل: بأن جداله لما أدّى إلى الضلال جعل كأنه غرضه، وعن الثاني: بأنّ الهدى لما كان معرّضاً له فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال الباطل جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال. ولما ذكر فعله وثمرته ذكر ما أعدّ له عليه في الدنيا بقوله تعالى: {له في الدنيا خزي} أي: إهانة وذل وإن طال زمن استدراجه بتنعيمه حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه، وما أعدّ له عليه في الآخرة بقوله تعالى: {ونذيقه يوم القيامة} الذي يجمع فيه الخلائق بالإحياء بعد الموت {عذاب الحريق} أي: الإحراق بالنار، وعن الحسن قال: بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرّة ويقال له حقيقة أو مجازاً.

{ذلك} أي: العذاب العظيم {بما قدمت يداك} أي: بعملك، ولكن جرت عادة العرب أن تضيف الأعمال إلى اليد؛ لأنها آلة أكثر العمل وإضافة ما يؤدي إليهما أنكى {وأنّ} أي: وبسبب أنّ {الله ليس بظلام} أي: بذي ظلم ما {للعبيد} وإنما هو مجاز لهم على أعمالهم أو أن المبالغة لكثرة العبيد. ونزل في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهراً وولدت امرأته غلاماً وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت به خيراً، واطمأن به، وإن كان الأمر بخلافه قال: ما أصبت إلا شرّاً، فينقلب عن دينه

{ومن الناس من يعبد الله} أي: يعمل على سبيل الاستمرار والتجدّد بما أمر الله به من طاعته {على حرف} فهو مزلزل كزلزلة من يكون على حرف شفير أو جبل أو غيره لا استقرار له، وكالذي على طرف من العسكر، فإن رأى غنيمة استمرّ، وإن توهم خوفاً طار وفرّ، وذلك معنى قوله تعالى: {فإن أصابه خير} أي: من الدنيا {اطمأنّ به} أي: بسببه وثبت على ما هو عليه {وإن أصابته فتنة} أي: محنة وسقم في نفسه وماله {انقلب على وجهه} أي: رجع إلى الكفر، وعن أبي سعيد الخدريّ: «أن رجلاً من اليهود أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فنزلت» ولما كان انقلابه هذا مفسدة لدنياه ولآخرته قال تعالى: {خسر الدنيا} بفوات ما أمّله منها ويكون ذلك سبب التقتير عليه قال تعالى: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل، وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015