السروج عن الدواب، ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدراً، وكانوا ما بين حزين وباك ومفكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال ذلك يوم يقول الله لآدم: قم فابعث بعث النار ـ وذلك نحو حديث أبي سعيد وزاد فيه ـ ثم قال: «يدخل من أمّتي سبعون ألفاً الجنة بغير حساب» قال عمر: سبعون ألفاً؟ قال: «نعم ومع كل واحد سبعون ألفاً» .

وقرأ حمزة والكسائي بفتح السين وسكون الكاف فيهما، والباقون بضم السين وفتح الكاف وبعد الكاف ألف، وأمال الألف بعد الراء أبو عمرو وحمزة والكسائي محضة، وورش بين بين، والباقون بالفتح. ونزل في النضر بن الحرث، وكان كثير الجدل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، وكان ينكر البعث وإحياء من صار تراباً

{ومن الناس} أي: المذبذبين {من} لا يسعى في إعلاء نفسه وتهذيبها، فيكذب فيؤبق بسوء عمله؛ لأنه {يجادل في الله} أي: في قدرته على ذلك اليوم، وفي غير ذلك بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم {بغير علم} بل بالباطل الذي هو جهل صرف فيترك اتباع الهداة {ويتبع} بغاية جهده في جداله {كل شيطان} محترق بالسوء مبعد باللعن {مريد} أي: متجرّد للفساد ولا شغل له غيره؛ قال البيضاوي: وأصله العري أي: عن الساتر

{كتب} أي: قدّر وقضي على سبيل الحتم الذي لا بدّ منه تعبيراً باللازم عن الملزوم {عليه} أي: على ذلك الشيطان {أنه} أي: الشأن {من تولاه} أي: فعل معه فعل الولي مع وليه باتباعه والإقبال على ما يزينه {فإنه يضله} بما يبغض إليه من الطاعات، فيخطىء سبيل الخير {ويهديه} أي: بما يزين له من الشهوات الحاملة على الزلات {إلى عذاب السعير} أي: النار، ثم ألزم الحجة منكري البعث بقوله تعالى:

{يا أيها الناس} أي: كافة ويجوز أن يراد به المنكر فقط {إن كنتم في ريب} أي: شك وتهمة وحاجة إلى البيان {من البعث} وهو قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتها فتفكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أنّ القادر على خلقكم أوّلاً قادر على خلقكم ثانياً، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر مراتب الخلقة الأولى أموراً سبعة:

المرتبة الأولى: قوله تعالى: {فإنّا خلقناكم} بقدرتنا التي لا يتعاظمها شيء {من تراب} لم يسبق له اتصاف بالحياة، وفي الخلق من تراب وجهان؛ أحدهما: أنا خلقنا أصلكم وهو آدم عليه الصلاة والسلام من تراب كما قال تعالى: {كمثل آدم خلقه من تراب} (آل عمران، 59) ، الثاني: من الأغذية والأغذية إمّا حيوانية وإما نباتية وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعاً للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء، فصح قوله تعالى: {إنا خلقناكم من تراب} .

المرتبة الثانية: قوله تعالى: {ثم من نطفة} وحالها أبعد شيء عن حال التراب فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية كما قال تعالى: {من ماء دافق} وأصلها الماء القليل؛ قاله البغوي، وأصل النطف الصب؛ قاله البيضاوي.

المرتبة الثالثة: قوله تعالى: {ثم من علقة} أي: قطعة دم حمراء جامدة ليس فيها أهلية للسيلان، ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة.

المرتبة الرابعة: قوله تعالى: {ثم من مضغة} أي: قطعة لحم صغيرة وهي في الأصل قدر ما يمضغ {مخلقة} أي: مسوّاة لا نقص فيها ولا عيب يقال: خلق السواك والعود سوّاه وملسه من قولهم صخرة خلقاء إذا كانت ملساء {وغير مخلقة} أي: وغير مسوّاة، فكأنّ الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة منها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015