أي: بالأمر الذي يحق لكل منا من نصر وخذلان، وقرأ حفص بفتح القاف وألف بعدها، وفتح اللام بصيغة الماضي على حكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم والباقون بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر فإن قيل: كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم بالحق والله تعالى لا يحكم إلا بالحق؟ أجيب: بأن الحق ههنا بمعنى العذاب، فكأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر، نظيره قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} (الأعراف، 89) ، وقال أهل المعاني: معناه رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه، والله تعالى يحكم بالحق طلب أم لم يطلب، ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب في حكمه الحق {وربنا} أي: المحسن إلينا أجمعين {الرحمن} أي: العام الرحمة لنا ولكم بإدرارها علينا، ولولا عموم رحمته لأهلكنا أجمعين، وإن كنا نحن أطعناه لأنّا لا نقدره حقّ قدره، {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} (فاطر، 45)
{المستعان} أي: المطلوب منه العون {على ما تصفون} من كذبكم على الله تعالى في قولكم: اتخذ الله ولداً، وعليّ في قولكم ساحر، وعلى القرآن في قولكم شعر قال الرازي: روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في حروبه، ولم يذكر له سنداً، وأما ما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ اقترب حاسبه الله حساباً يسيراً، وصافحه وسلم عليه كل نبيّ ذكر اسمه في القرآن» ، فحديث موضوع والله تعالى أعلم بالصواب.
مكية
إلا {ومن الناس من يعبد الله على حرف} الآيتين وإلا {هذان خصمان} الست آيات فمدنيات، وهي ثمان، وقيل: خمس أو ست أو سبع وسبعون آية.
{بسم الله} أي: الذي اقتضت عظمته خضوع كل شيء {الرحمن} الذي عمّ برحمته كل موجود {الرحيم} الذي خص بفضله من شاء من عباده. ولما ختمت السورة التي قبل هذه بالترهيب من الفزع الأكبر وطي السماء وإتيان ما يوعدون، وكان أعظم ذلك يوم الدين افتتحت هذه السورة بالأمر بالتقوى المنجية من هول ذلك اليوم بقوله تعالى:
{يا أيها الناس} أي: الذين تقدّم أوّل تلك أنه اقترب لهم حسابهم إن أريد أنّ ذلك عام وإلا فهم وغيرهم {اتقوا} أي: احذروا عقاب {ربكم} أي: المحسن إليكم بأنواع الإحسان بأن تجعلوا بينكم وبين عقابه وقاية الطاعات، ولما أمرهم بالتقوى علل ذلك مرهباً لهم بقوله تعالى: {إنّ زلزلة الساعة} أي: حركتها الشديدة للأشياء على الإسناد المجازي، فتكون الزلزلة مصدراً مضافاً إلى فاعله، ويصح أن يكون إلى المفعول فيه على طريق الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} (سبأ، 33) ، وهي الزلزلة المذكورة في قوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} (الزلزلة، 1)
واختلف في وقتها، فعن الحسن أنها تكون يوم القيامة، وعن علقمة والشعبي عند طلوع الشمس من مغربها الذي هو أقرب للساعة {شيء عظيم} أي: أمر كبير وخطر جليل وحادث هائل لا تحتمل العقول وصفه وهذا للزلزلة نفسها، فكيف بجميع ما يحدث في ذلك اليوم الذي لا بدّ لكم من الحشر فيه