أي: غير الله تعالى {لفسدتا} أي: لخرجتا عن نظامهما المشاهد لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدّد الحاكم، وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق كان والله أعز عليّ من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول، وهذا ظاهر.
وأما طريقة التمانع فقال المتكلمون: القول بوجود إلهين مفضٍ إلى المحال لأنّا لو فرضنا وجود إلهين، فلا بدّ أن يكون كل واحد منهما قادراً على كل المقدورات، ولو كان كذلك لكان كل واحد منهما قادراً على تحريك زيد وتسكينه، ولو فرضنا أنّ أحدهما أراد تحريكه والآخر أراد تسكينه، فإمّا أن يقع المرادان وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدّين، أو لا يقع واحد منهما، وهو محال؛ لأنّ المانع من وجود مراد كل واحد منهما مراد الآخر، فلا يمتنع مراد هذا إلا عند وجود مراد ذلك وبالعكس، أو يقع مراد أحدهما دون الآخر، وذلك أيضاً محال؛ لأنّ الذي وقع مراده يكون قادراً، والذي لم يقع مراده يكون عاجزاً، والعجز نقص، وهو على الإله محال، فثبت أن الفساد لازم على كل التقديرات، وإذا وقفت على حقيقة هذه الدلالة عرفت أنّ جميع ما في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات دليل على أنّ وحدانية الله تعالى والدلائل السمعية على الوحدانية كثيرة في القرآن، ولما أفاد هذا الدليل أنه لا يجوز أن يكون المدبر للسموات والأرض إلا واحداً، وأن ذلك الواحد لا يكون إلا الله تعالى قال: {فسبحان الله} أي: فتسبب عن ذلك تنزه المتصف بصفات الكمال {ربّ} أي: خالق {العرش} أي: الكرسي المحيط بجميع الأجسام الذي هو محل التدابير، ومنشأ التقادير {عما يصفون} أي: الكفار الله به من الشريك له وغيره، ثم بيّن تعالى ذلك بقوله عز وجل:
{لا يسأل} أي: من سائل ما {عما يفعل} لعظمته وقوّة سلطانه، وإذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم تهيباً وإجلالاً مع جواز الخطأ والزلل، وأنواع الفساد عليهم كان ملك الملوك ورب الأرباب خالقهم ورازقهم أولى بأن لا يسأل عن أفعاله مع ما علم واستقر في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بدواعي الحكمة، ولا يجوز عليه تعالى الخطأ {وهم يسألون} لأنهم مملوكون مستعبدون خطاؤون، فما أخلقهم بأن يقال لهم: لم فعلتم؟ في كل شيء فعلوه، ولما قام الدليل ووضح السبيل واضمحلّ كل قال وقيل، وانمحقت الأباطيل كرّر تعالى:
{أم اتخذوا من دونه آلهة} كرّره استفظاعاً لشأنهم واستعظاماً لكفرهم، وإظهاراً لجهلهم، ولما كان جوابهم: اتخذنا ولا نرجع، أمر الله تعالى نبيه بجوابهم فقال: {قل هاتوا برهانكم} على ما ادّعيتموه من عقل أو نقل كما أتيت أنا ببرهان النقل المؤيد بالعقل، ولما كان تعالى لا يؤاخذ بمخالفة العقل ما لم ينضمّ إليه دليل النقل أتبعه قوله مشيراً إلى ما بعث الله تعالى به الرسل من الكتب {هذا ذكر} أي: موعظة وشرف {من معي} ممن آمن بي وهو القرآن الذي عجزتم عن معارضته {وذكر} أي: وهذا ذكر {من قبلي} من الأمم الماضية وهو التوراة والإنجيل، وغيرهما من الكتب السماوية، فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك، ولما كانوا لا يجدون شبهة لهم فضلاً عن حجة ذمّهم الله تعالى على جهلهم بمواضع الحق