غروبها} صلاة العصر {ومن أناء الليل} أي: ساعاته {فسبح} أي: صل المغرب والعشاء، وقوله تعالى: {وأطراف النهار} معطوف على محل من آناء المنصوب أي: صل الظهر؛ لأن وقتها يدخل بزوال الشمس، فهو طرف النصف الأول، وطرف النصف الثاني قال ابن عباس: دخلت الصلوات الخمس في ذلك، وقيل: المراد الصلوات الخمس والنوافل؛ لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها، فالليل والنهار داخلان في هاتين العبارتين.
وأوقات الصلوات الواجبة دخلت فيهما، فبقي قوله: ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار للنوافل، وقال أبو مسلم: لا يبعد حمل التسبيح على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات.
فإن قيل: النهار له طرفان، فكيف قال: وأطراف النهار، ولم يقل: طرفي النهار أجيب بوجهين أظهرهما: أنه إنما جمع لأنه يلزم في كل نهار ويعود، والثاني: أن أقل الجمع اثنان، وقرأ قوله تعالى {لعلك ترضى} أبو بكر والكسائي بضم التاء أي: ترضى بما تنال من الثواب كقوله تعالى: {وكان عند ربه مرضياً} (مريم، 55) ، وقرأ الباقون بفتحها أي: ترضى بما تنال من الشفاعة قال تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} (الضحى، 5) ، وقال تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} (الإسراء، س79) ، والمعنى: على القراءتين لا يختلف؛ لأن الله تعالى إذا أرضاه، فقد رضيه، وإذا رضيه، فقد أرضاه، ولما كانت النفس ميالة إلى الدنيا مرهونة بالحاضر من فاني العطايا، وكان تخليها عن ذلك هو الموصل إلى حريتها المؤذن بعلو همتها قال تعالى مؤكداً إيذاناً بصعوبة ذلك:
{ولا تمدن} مؤكداً له بالنون الثقيلة {عينيك} أي: لا تطول نظرهما بعد النظرة الأولى المعفو عنها {إلى ما متعنا به} في هذه الحياة الفانية {أزواجاً} أي: أصنافاً {منهم} أي: الكفرة استحساناً له وتمنياً أن يكون لك مثله والإمتاع الإلذاذ بما يدرك من المناظر الحسنة، ويسمع من الأصوات المطربة ويشم من الروائح الطيبة وغير ذلك من الملابس والمناكح، وقوله تعالى: {زهرة الحياة الدنيا} أي: زينتها وبهجتها منصوب بمحذوف دل عليه متعنا، أو به على تضمنه معنى أعطينا، فأزواجاً مفعول أول، وزهرة هو الثاني، وذكر ابن عادل غير هذين الوجهين سبعة أوجه لا حاجة لنا بذكرها، ثم علل تعالى تمتعهم بقوله تعالى: {لنفتنهم فيه} أي: لنفعل بهم فعل المختبر، فيكون سبب عذابهم في الدنيا بالعيش الضنك لما مضى، وفي الآخرة بالعذاب الأليم، فصورته تغرّ من لم يتأمل معناه حق التأمل، فما أنت فيه خير مما هم فيه {ورزق ربك} في الجنة {خير} مما أوتوه في الدنيا {وأبقى} أي: أدوم أو ما رزقته من نعمة الإسلام والنبوّة، أو لأنّ أموالهم الغالب عليها الغصب والسرقة والحرمة من بعض الوجوه، والحلال خير وأبقى، قال الزمخشري: لأن الله تعالى لا ينسب إلى نفسه إلا ما حل وطاب دون ما حرم وخبث، والحرام لا يسمى زرقاً انتهى، وهذا جار على مذهبه المخالف لأهل السنة من أن الحرام لا يسمى زرقاً، وقال أبو مسلم الذي نهى عنه بقوله: ولا تمدَّن عينيك ليس هو النظر بل هو الأسف أي: لا تأسف على ما فاتك مما نالوه من حظ الدنيا، وقال أبو رافع: نزلت هذه الآية في ضيق نزل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى يهودي يبيع أو يستلف إلى مدة، فقال: والله لا أفعل إلا برهن، فأخبرته بقوله فقال صلى الله عليه وسلم «إني لأمين في السماء وإني لأمين في الأرض احمل إليه درعي الحديد»