الأول: قوله: إنا رسولا ربك، وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما وذلك يعظم على الملك المتبوع. الثاني: قولهما: فأرسل معنا بني إسرائيل فيه إدخال النقص على ملكه لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال أيضاً. الثالث: قولهما: ولا تعذبهم. الرابع: قولهما {قد جئناك بآية من ربك} فما الفائدة في التليين أوّلاً والتغليظ ثانياً؟ أجيب: بأنّ الإنسان إذا ظهر لجاجه فلا بدّ له من التغليظ حيث لم ينفع التليين.

فإن قيل: أليس الأولى أن يقول إنا رسولا ربك قد جئناك بآية فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم لأن ذكر المعجز مقروناً بالدعاء للرسالة أولى من تأخيره عنه؟.

أجيب: بأنّ هذا أولى لأنهما ذكرا مجموع الدعاوي ثم استدلا على ذلك المجموع بالمعجز وقولهما: قد جئناك بآية من ربك قال الزمخشري: هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي أنا رسولا ربك مجرى البيان والتفسير لأنّ دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتهما التي هي مجيء الآية.

فإن قيل: إنّ الله تعالى قد أعطاهما آيتين هما العصا واليد ثم قال تعالى: {اذهب أنت وأخوك بآياتي} ، وذلك يدل على ثلاث آيات وقالا هنا قد جئناك بآية من ربك وذلك يدل على أنها كانت واحدة فكيف الجمع؟ أجاب القفال: بأنّ معنى الآية الإشارة إلى جنس الآيات كأنهما قالا قد جئناك ببينات من عند الله ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججاً كثيرة وتقدّم الجواب عن التثنية والجمع وأنّ في العصا واليد آيات.

وقوله تعالى: {والسلام على من اتبع الهدى} يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى كأنه تعالى قال: فقولا إنا رسولا ربك وقولا له والسلام على من اتبع الهدى ويحتمل أن يكون كلام الله قد تمّ عند قوله قد جئناك بآية من ربك، وقوله تعالى بعد ذلك والسلام على من اتبع الهدى وعد من قبلهما لمن آمن وصدّق بالسلامة له من عقوبات الله في الدنيا والآخرة أو أنّ سلام الملائكة وخزنة الجنة على المهتدين، وقال بعضهم: إن على بمعنى اللام أي: والسلام لمن اتبع الهدى كقوله تعالى: {من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها} (فصلت، 46)

وقال تعالى في موضع آخر: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} (الإسراء، 7)

نا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب ما جئنا به {وتولى} أعرض عنه، قال البيضاوي: ولعل تغيير النظم والتصريح بالوعيد والتوكيد فيه لأنّ التهديد في أوّل الأمر أهم وأنجع وبالواقع أليق. ولما أتياه وقالا: إنا رسولا ربك وبلغاه ما أمرا به

{قال} لهما {فمن ربكما يا موسى} إنما نادى موسى وحده بعد مخاطبته لهما معاً إما لأنّ موسى هو الأصل في الرسالة وهارون تبع وردء ووزير وإما لأن فرعون كان لخبثه يعلم الرتة التي كانت في لسان موسى عليه الصلاة والسلام ويعلم فصاحة أخيه بدليل قوله: {هو أفصح مني لساناً} (القصص، 34)

فأراد أن يفحمه ويدل عليه قول فرعون ولا يكاد يبين وإمّا لأنه حذف المعطوف للعلم به أي: يا موسى وهارون قاله أبو البقاء، ثم إنّ فرعون لم يشتغل مع موسى بالبطش والإيذاء لما دعاه إلى الله تعالى مع أنه كان شديد القوّة عظيم الغلبة كثير العسكر بل خرج معه في المناظرة لأنه لو أذاه لنسب إلى الجهل والسفاهة فاستنكف من ذلك وشرع في المناظرة وذلك يدل على أنّ السفاهة من غير حجة لم يرضه فرعون مع كمال جهله وكفره فكيف يليق ذلك بمن يدّعي الإسلام والعلم

تنبيه: قال ههنا {فمن ربكما يا موسى} وقال في سورة الشعراء:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015