في جيبه فأدخلها في إبطه الأيسر وأخرجها فكانت تبرق مثل البرق وقيل مثل الشمس من غير مرض ثم إذا أردّها عادت إلى لونها الأوّل من غير نور وقوله تعالى: {آية أخرى} أي: معجزة ثابتة حال من ضمير تخرج كبيضاء وقوله تعالى:
{لنريك} متعلق بما دل عليه آية أي: دللنا بها لنريك وقوله تعالى: {من آياتنا الكبرى} أي: العظمى على رسالتك متعلق بمحذوف على أنه حال من الكبرى والكبرى مفعول ثان لنريك والتقدير لنريك الكبرى حال كونها من آياتنا أي: بعض آياتنا واختلف أيّ الآيتين أعظم في الإعجاز فقال الحسن: اليد لأنه تعالى قال: لنريك من آياتنا الكبرى والذي عليه الأكثر أنّ العصا أعظم إذ ليس في اليد إلا تغير اللون وأمّا العصا ففيها تغير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الحجر والشجر ثم إعادتها عصا بعد ذلك فقد وقع التغير في كل هذه الأمور فكانت العصا أعظم وأما قوله تعالى: {لنريك من آياتنا الكبرى} فقد ثبت أنه عائد إلى الكلام وأنه غير مختص باليد، فإن قيل: لم لم يقل تعالى من آياتنا الكبر؟ أجيب: بأنّ ذلك ذكر لرؤوس الآي وقيل فيه إضمار معناه لنريك من آياتنا الآية الكبرى وهذا التقدير يقوّي قول القائل بأنّ اليد أعظم آية. ولما أظهر سبحانه وتعالى لموسى هذه الآيات عقبها بأمره بالذهاب إلى فرعون بقوله تعالى:
{اذهب} أي: رسولاً {إلى فرعون} وبيّن تعالى العلة في ذلك بقوله تعالى: {إنه طغى} أي: جاوز الحد في كفره إلى أن ادّعى الإلهية ولهذا خصه الله تعالى بالذكر مع أنه عليه السلام مبعوث إلى الكل قال وهب: قال الله تعالى لموسى عليه السلام اسمع كلامي واحفظ وصيتي وانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي وإنّ معك يدي ونصري وإني ألبسك جبة من سلطاني تستكمل بها القوّة في أمرك أبعثك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرّته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي، أقسم بعزتي لولا الحجة التي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار ولكن هان عليّ وسقط من عيني فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي وقل له قولاً لينا لا يغترّ بلباس الدنيا فإن ناصيته بيدي لا يطرف ولا يتنفس إلا بعلمي في كلام طويل قال فسكت موسى عليه السلام سبعة أيام لا يتكلم ثم جاءه ملك فقال أجب ربك فيما أمرك فعند ذلك
{قال رب اشرح لي صدري} أي: وسعه لتحمل الرسالة، قال ابن عباس: يريد حتى لا أخاف غيرك والسبب في هذا السؤال ما حكى الله تعالى عنه في موضع آخر بقوله: {قال ربّ إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني} (الشعراء: 12، 13)
وذلك أنّ موسى عليه السلام كان يخاف فرعون اللعين خوفاً شديداً لشدّة شوكته وكثرة جنوده وكان يضيق صدراً بما كلف من مقاومة فرعون وحده فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه حتى يعلم أنّ أحداً لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله تعالى وإذا علم ذلك لم يخف فرعون وشدّة شوكته وكثرة جنوده، وقيل: اشرح لي صدري بالفهم عنك ما أنزلت عليّ من الوحي
{ويسر} أي: سهّل {لي أمري} أي: ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون وذلك لأنّ كل ما يصدر من العبد من الأفعال والأقوال والحركات والسكنات فالله تعالى هو الميسر له، فإن قيل: قوله لي في اشرح لي صدري ويسر لي أمري ما جدواه والأمر مستتم مستتب بدونه؟ أجيب: بأنه