وما خلفنا قبل أن نخلق وما بين ذلك مدّة الحياة وقيل: ما بين أيدينا الأرض إذا أردنا النزول إليها وما خلفنا السماء وما ينزل منها وما بين ذلك الهواء يريد أنّ ذلك كله لله فلا نقدر على شيء إلا بأمره {وما كان ربك} المحسن إليك {نسياً} بمعنى ناسيا أي: تاركاً لك بتأخير الوحي عنك لقوله تعالى: {ما ودّعك ربك وما قلى} (الضحى، 3)
أي: وما كان امتناع النزول إلا لامتناع الأمر به وما كان ذلك عن ترك الله تعالى لك وتوديعه إياك ثم استدل على ذلك بقوله:
{رب السموات والأرض وما بينهما} فلا يجوز عليه النسيان إذ لا بدّ أن يمسكهما حالاً بعد حال وإلا لبطل الأمر فيهما وفيمن يتصرّف، والآية دالة على أنّ الله تعالى رب لكل شيء حصل بينهما ففعل العبد مخلوق له تعالى لأنّ فعل العبد حاصل بين السماء والأرض
تنبيه: يجوز في رب أن يكون بدلاً من ربك وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: هو رب وقوله تعالى {فاعبده واصطبر لعبادته} خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم مرتب على ما تقدّم أي: لما عرفت أنّ ربك لا ينساك فاعبده بالمراقبة الدائمة على ما ينبغي من مثلك واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفار بك.
فإن قيل: لم لم يقل واصطبر على عبادته لأنها صلته فكان حقه تعديه بعلى؟ أجيب: بأنه ضمن معنى الثبات لأنّ العبادة ذات تكاليف قلّ من يثبت لها فكأنه قيل اثبت لها مصطبراً كقولك للمحارب اصبر لقرنك ثم علل ذلك بقوله: {هل تعلم له سمياً} قال ابن عباس: هل تعلم له مثلاً أي: نظيراً فيما يقتضي العبادة والذي يقتضيها كون منعماً بأصول النعم وفروعها وهي خلق الأجسام والحياة والعقل وغيرها، فإنه لا يقدر على ذلك أحد سواه سبحانه وتعالى وإذا كان قد أنعم عليك بغاية الإنعام وجب أن تعظمه بغاية التعظيم وهي العبادة.
وقال الكلبي هل تعلم أحداً تسمى الله غيره فإنهم وإن كانوا يطلقون لفظ الإله على الوثن فما أطلقوا لفظ الله تعالى على شيء. ولما أمر تعالى بالعبادة والمصابرة عليها فكأنّ سائلاً سأل وقال هذه العبادة.
لا منفعة فيها في الدنيا وأمّا في الآخرة فقد أنكرها بعضهم فلا بدّ من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى يظهر أنّ الاشتغال بالعبادة يفيد فلهذا حكى الله سبحانه وتعالى قول منكري الحشر فقال تعالى:
{ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حياً} قال الكلبيّ: نزلت في أبيّ بن خلف حين أخذ عظاماً بالية فتتها بيديه ويقول زعم لكم محمد أنا نبعث بعدما نموت وقيل: نزلت في أبي جهل، وقيل: المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث ثم إنّ الله تعالى أقام الدليل على صحة البعث بقوله:
{أولا يذكر الإنسان} أي: المجترئ بهذا الإنكار على ربه {أنّا خلقناه من قبل} أي: من قبل جدله {ولم يك شيئاً} أصلاً وأنا بمقتضى ذلك قادرون على إعادته فلا ينكر ذلك قال بعض العلماء لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا عليه إذ لا شك أن الإعادة ثانياً أهون من الإيجاد أوّلاً. ونظيره قوله تعالى: {قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة} (يس، 79)
وقوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} (الروم، 27)
وهو أهون عليه وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بسكون الذال وضم الكاف مخففة والباقون بفتح الذال مشدّدة وكذا الكاف.
فإن قيل: كيف أمر الله الإنسان بالتذكر مع أنّ التذكر هو العلم بما علمه من قبل ثم تخللهما سهو؟ أجيب: بأنّ المراد أولاً يتفكر فيعلم خصوصاً