ماجه وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» وعن صالح المزني قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء؟ وعن ابن عباس: إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما غرغرت عين بماء إلا حرّم الله تعالى على النار جسدها» وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن القرآن نزل محزناً فإذا قرأتموه فتحازنوا» وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «لا يلج النار من بكى من خشية الله» .

وقال العلماء: يدعو في سجدة التلاوة بما يليق بآيتها فإن قرأ آية تنزيل السجدة قال: اللهمّ اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المتكبرين عن أمرك، وإذا قرأ سجدة سبحان قال اللهم اجعلني من الباكين إليك الآسفين لك، وإن قرأ هذه قال: اللهمّ اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الباكين عند تلاوة آيات كتابك وقرأ حمزة والكسائي بكيا بكسر الباء والباقون بضمها ولما وصف سبحانه وتعالى هؤلاء الأنبياء بصفة المدح ترغيباً لنا في التأسي بهم ذكر بعدهم من هو بالضدّ منهم فقال:

{فخلف من بعدهم} أي: في بعض الزمان الذي بعد هؤلاء الأصفياء سريعاً {خلف} في غاية الرداءة من أولادهم يقال خلفه إذا عقبه خلف سوء بإسكان اللام والخلف بفتح اللام الصالح كما قالوا وعد في ضمان الخير ووعيد في ضمان الشر وفي الحديث: «في الله خلف من كل هالك» وفي الشعر:

*ذهب الذي يعاش في أكنافهم

... وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وقال السدي: أراد بهم اليهود ومن لحق بهم وقال قتادة: في {أضاعوا الصلاة} تركوا الصلاة المفروضة، وقال ابن مسعود وإبراهيم: أخروها عن وقتها، وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا يصلي العصر حتى تغرب الشمس. {واتبعوا الشهوات} أي: المعاصي قال ابن عباس: هم اليهود تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمور واستحلوا نكاح الأخت من الأب، وقال مجاهد: هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة {فسوف يلقون غياً} وهو كما قال وهب وابن عباس: واد في جهنم بعيد قعره تستعيذ منه أوديتها كما رواه الحاكم وصححه، وقيل: هو الخسران وقيل هو الشر كقول القائل:

*فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره

... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما

على الغيّ متعلق بلائماً وقيل: يلقون جزاء الغي كقوله يلق أثاماً أي: مجازاة الآثام

تنبيه: قوله تعالى: يلقون ليس معناه يرون فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية. ولما أخبر تعالى عن هؤلاء بالخيبة فتح لهم باب التوبة وحداهم إلى غسل هذه الحوبة بقوله:

{إلا من تاب} أي: مما هو عليه من الضلال وبادر بالأعمال وحافظ على الصلوات وكف نفسه عن الشهوات {وآمن} بما أخذ عليه به العهد {وعمل} بعد إيمانه تصديقاً له {صالحاً} من الصلوات والزكوات وغيرها {فأولئك} العالو الهمم الطاهرو الشيم {يدخلون الجنة} التي وعد المتقون {ولا يظلمون} من ظالم ما {شيئاً} من أعمالهم. فإن قيل: الاستثناء دل على أنه لا بدّ من التوبة والإيمان والعمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015