يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم،
وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلاً من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبداً صالحاً قال الله تعالى: إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك، والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض إحداهما في القطر الأيمن يقال لها: هاويل والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها: ناويل وأمم في وسط الأرض منهم الجن والأنس ويأجوج ومأجوج، فقال ذو القرنين: بأي قوة أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم، قال الله تعالى: إني سأطوقك وأبسط لك لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء وألبسك الهيبة فلا يروعنك شيء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك يهديك النور من أمامك وتحفظك الظلمة من ورائك فانطلق حتى أتي مغرب الشمس فوجد جمعاً وعدداً لا يحصيه إلا الله تعالى فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد فدعاهم إلى الله تعالى وإلى عبادته فمنهم من آمن ومنهم من كفر ومنهم من صدّ عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه وأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب جنداً عظيماً فانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك ثم مضى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند منها جنوداً كفعله في الأمتين ثم أخذ بناحية الأرض اليسرى فأتى ناويل فعمل فيها كعمله فيما قبلها ثم عمد إلى الأمم التي وسط الأرض فلما كان مما يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس: يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقاً أشباه البهائم أي: وهم يأجوج ومأجوج {مفسدون في الأرض} يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلقه الله في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا يشك أنهم سيملكون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فيها، وقال الكلبي: فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئاً أخضر
إلا أكلوه
ولا يابساً إلا احتملوه وأدخلوه أرضهم وقد بالغوا ولقوا منهم أذى شديداً وقتلاً، وقيل: فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس، وقيل: معناه أنهم سيفسدون في الأرض بعد خروجهم {فهل نجعل لك خرجاً} أي: جعلا من المال، وقرأ حمزة والكسائى بفتح الراء وألف بعدها والباقون بسكون الراء ولا ألف بعدها فقيل: هما بمعنى، وقيل: الخرج ما تبرّعت به والخراج ما لزمك {على أن تجعل} في جميع ما {بيننا وبينهم} من الأرض التي يمكن توصلهم إلينا منها بما آتاك الله من المكنة {سدّاً} أي: حاجزاً بين هذين الجبلين فلا يصلون إلينا، وقرأ نافع وابن عامر وشعبة برفع السين والباقون بالنصب،
{
قال} لهم ذو القرنين {ما مكّنى فيه ربي} أي: المحسن إليّ مما ترونه من الأموال والرجال والتوصل إلى جميع الممكن للمخلوق {خير} من خراجكم الذي تريدون بذله كما قال سليمان عليه السلام: {فما آتاني الله خير مما آتاكم} (النمل، 36) ، وقرأ ابن كثير بنون مفتوحة بعد الكاف وبعدها نون مكسورة والباقون بنون واحدة مكسورة مشدّدة {فأعينوني بقوّة} أي: أني لا أريد المال بل أعينوني بأيديكم وقوّتكم