{وما فعلته} أي: شيئاً من ذلك {عن أمري} أي: عن اجتهادي ورأيي بل بأمر من له الأمر وهو الله تعالى.
تنبيه: احتج من ادعى نبوّة الخضر بأمور أحدها قوله تعالى: {آتيناه رحمة من عندنا} والرحمة هي النبوّة، قال تعالى: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك} (القصص، 86)
والمراد من هذه الرحمة النبوة، قال الرازي: ولقائل أن يقول مسلم: إنّ النبوة رحمة ولكن لا يلزم أن تكون كل رحمة نبوة، الثاني: قوله تعالى: {وعلمناه من لدنا علماً} وهذا يقتضي أن الله تعالى علمه بلا واسطة تعليم معلم ولا إرشاد مرشد وكل من علمه الله تعالى بلا واسطة البشر وجب أن يكون نبياً يعلم الأمور بالوحي من الله تعالى، قال الرازي: وهذا الاستدلال ضعيف لأنّ العلوم الضرورية تحصل ابتداء من الله وذلك لا يدل على النبوّة، الثالث: أن موسى عليه السلام قال: {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت} والنبي لا يتبع غير نبي في التعلم؟ قال الرازي: وهذا أيضاً ضعيف لأن النبي لا يتبع غير نبي في العلوم التي باعتبارها صار نبياً أما غير تلك العلوم فلا، الرابع: أنه أظهر على موسى الترفع حيث قال: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً، وأما موسى فإنه أظهر له التواضع حيث قال: ولا أعصي لك أمراً، وهذا يدل على أنه كان فوق موسى ومن لا يكون نبياً لا يكون فوق نبي. قال الرازي: وهذا أيضاً ضعيف لأنه يجوز أن يكون غير النبي فوق النبي في علوم لا تتوقف نبوته عليها، الخامس: قوله وما فعلته عن أمري، وفي المعنى: أني فعلته بوحي من الله وهذا يدل على النبوة. قال الرازي: وهذا أيضاً ضعيف ظاهر الحجة، السادس: ما روي أن موسى عليه السلام لما وصل إليه قال: السلام عليك، قال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائىل، فقال موسى: من عرّفك هذا؟ قال: الذي بعثك إليّ، وهذا يدل على أنه إنما عرف ذلك بالوحي والوحي لا يكون إلا مع النبوة، قال الرازي: ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات والإلهامات انتهى.
وبالجملة فالجمهور على أنه نبي كما مرّ واختلفوا هل هو حيّ أو ميت؟ فقيل: إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم، قال البغوي: وكان سبب حياته فيما يحكى أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذا القرنين دخل الظلمة ليطلب عين الحياة وكان الخضر على مقدّمته فوقع الخضر على العين فنزل فاغتسل وشرب وشكر الله تعالى وأخطأ ذو القرنين الطريق، وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله تعالى: {وما جعلنا البشر من قبلك الخلد} (الأنبياء، 34)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء ليلة: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» ولو كان الخضر حياً لكان لا يعيش بعده. ولما بيّن لموسى سر تلك القضايا قال له {ذلك} أي: هذا التأويل العظيم {تأويل ما لم تسطع} يا موسى {عليه صبراً} وحذف تاء الاستطاعة هنا تخفيفاً فإنّ استطاع واسطاع بمعنى واحد.
تنبيه: من فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعمله ولا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه فلعل فيه سراً لا يعرفه وأن يداوم على التعلم ويتذلل للعلماء ويراعي الأحب في المقال، وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حين يتحقق إصراره ثم يهاجره، روي أن موسى لما أراد أن يفارق الخضر قال له: أوصني؟ قال: لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه للعمل به. ولما فرغ من هذه القصة التي حاصلها أنها طواف في الأرض لطلب العلم