من حرّ جهنم فيطلبوا ما يصبونه على أنفسهم للتبريد فيعطون هذا الماء قال تعالى حكاية عنهم: {أفيضوا علينا من الماء} (الأعراف، 50)
. وقال تعالى في آية أخرى: {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} (إبراهيم، 50)
. فإذا استغاثوا من حرّ جهنم صب عليهم القطران الذي يعمّ كل أبدانهم كالقميص. والصفة الثانية للماء: قوله تعالى: {يشوي الوجوه} ، أي: إذا قرب إلى الفم ليشرب فكيف بالفم والجوف ثم وصل تعالى بذلك ذمّه فقال تعالى: {بئس الشراب} ، أي: ذلك الماء الذي هو كالمهل لأنّ المقصود من شرب الشراب تسكين الحرارة وهذا يبلغ في إحراق الإنسان مبلغاً عظيماً ثم عطف عليه ذمّ النار المعدّة لهم بقوله تعالى: {وساءت} ، أي: النار وقوله تعالى: {مرتفقاً} تمييز منقول من الفاعل، أي: قبح مرتفقها وهو مقابل لقوله تعالى الآتي في الجنة: {وحسنت مرتفقاً} وإلا فأي ارتفاق في النار. ولما ذكر تعالى وعيد المبطلين أردفه بوعد المحقين فقال تعالى:
{إنّ الذين آمنوا} ولما كان الإيمان هو الإذعان للأوامر عطف عليه ما يحقق ذلك بقوله تعالى: {وعملوا الصالحات} ثم عظم جزاءهم بقوله تعالى: {إنا لا نضيع} ، أي: بوجه من الوجوه {أجر من أحسن عملاً} وهذه الجملة خبر إن الذين وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر والمعنى أجرهم، أي: نثيبهم بما تضمنه.
{أولئك لهم جنات عدن} ، أي: إقامة فكأنه قيل فما لهم فيها فقيل: {تجري من تحتهم} ، أي: من تحت منازلهم {الأنهار} وذلك لأنّ أفضل المساكن ما كان تجري فيه الأنهار أو الماء فكأنه قيل ثم ماذا فقيل: {يحلون فيها} وبنى الفعل المجهول لأنّ المقصود وجود التحلية وهي لعزتها إنما يؤتى بها من الغيب فضلاً من الله تعالى.
ولما كانت نعم الله لا تحصى نوع منها قال تعالى مبعضاً: {من أساور} جمع إسورة كاحمرة جمع سوار كما يلبس ذلك ملوك الدنيا من جبابرة الكفرة في بعض الأقاليم كأهل فارس وقيل من زائدة، وقيل للابتداء ومن في قوله تعالى: {من ذهب} للبيان صفة لأساور وتنكيرها لتعظيم جنسها عن الإحاطة به. وقيل للتبعيض. ولما كان اللباس جزاء العمل فكان موجوداً عندهم أسند الفعل إليهم فقال: {ويلبسون ثياباً خضراً} لأنّ الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة ثم وصفها بقوله تعالى: {من سندس} وهو ما رقّ من الديباج {وإستبرق} وهو ما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وفي آية أخرى {بطائنها من إستبرق} (الرحمن، 54)
فيكون الغليظ بطانة للرقيق، ثم استأنف الوصف عن حال جلوسهم فيها بأنه جلوس الملوك المتمكنين من النعيم فقال تعالى: {متكئين فيها} ، أي: لأنهم في غاية الراحة {على الأرائك} جمع أريكة وهي السرير في الحجلة وهي بيت يزين بالثياب والستور للعروس ثم مدح هذا بقوله تعالى: {نعم الثواب} ، أي: الجزاء الجنة لو لم يكن لها وصف غير ما سمعتم فكيف ولها من الأوصاف ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: {وحسنت} ، أي: الجنة كلها وبين ذلك بقوله تعالى: {مرتفقاً} ، أي: مقرّاً ومرتفقاً ومجلساً ولما افتخر الكفار بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين بيّن الله تعالى أنّ ذلك مما لا يوجب الافتخار لاحتمال أن يصير الفقير غنياً والغنيّ فقيراً وأمّا الذي يجب الافتخار به فطاعة الله تعالى وعبادته وهي حاصلة لفقراء المؤمنين وبيّن ذلك بضرب هذا المثل المذكور