الفلاني غداً لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد ولم يبعد أيضاً إن بقي حياً أن يعيقه عن ذلك الفعل سائر العوائق فإذا لم يقل إن شاء الله صار كاذباً في ذلك الوعد والكذب منفر لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلهذا السبب وجب عليه أن يقول إن شاء الله حتى إذا تعذر عليه الوفاء بذلك الوعد لم يصر كاذباً ولم يحصل التنفير.
تنبيه: قال كثير من الفقهاء: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم يقع عليه الطلاق لأنه لما علق وقوع الطلاق على مشيئته تعالى لم يقع عليه الطلاق إلا إذا علمنا حصول المشيئة ومشيئة الله تعالى غيب لا سبيل لنا إلى العلم بحصولها إلا إذا علمنا أن متعلق المشيئة وقع وهو الطلاق، وعلى هذا لا يعرف حصول المشيئة إلا إذا وقع الطلاق ولا يعرف وقوع الطلاق إلا إذا عرفت المشيئة فيتوقف العلم بكل واحد منهما على العلم بالآخر وهو دور فلهذا لا يقع الطلاق وقيل المراد إلا أن يشاء الله، أي: إلا أن يأذن لك الله تعالى في ذلك القول والمعنى أنه ليس لك أن تخبر عن نفسك بأنك تفعل الفعل الفلاني إلا أن يأذن لك الله تعالى في ذلك الإخبار، وقد احتج القائلون بأنّ المعدوم شيء بهذه الآية لأنّ الشيء الذي سيفعله غداً معدوم في الحال فوجب تسمية المعدوم بأنه شيء. وأجيب: بأنّ هذا الاستدلال لا يفيد إلا أنّ المعدوم يسمى بكونه شيئاً وعندنا أنّ السبب فيما سيصير شيئاً يجوز تسميته بكونه شيئاً في الحال كما قال تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} (النحل، 1)
والمراد سيأتي أمر الله.
واختلف في معنى قوله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} فقال ابن عباس ومجاهد والحسن: معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن وعند هذا اختلفوا فقال ابن عباس: لو لم يحصل التذكر إلا بعد مدّة طويلة ثم ذكر إن شاء الله كفى في رفع الحنث. وعن سعيد بن جبير بعد سنة أو شهر أو أسبوع أو يوم، وعن طاوس لا يقدر على الاستثناء إلا في مجلسه. وعن عطاء يستثنى على مقدار حلب ناقة غزيرة وعند عامّة الفقهاء أنه لا أثر له في الكلام ما لم يكن موصولاً واحتج ابن عباس بأنّ قوله إذا نسيت غير مختص بوقت غير معين بل هو متناول لكل الأوقات وظاهره أنّ الاستثناء لا يجب أن يكون متصلاً أمّا عامّة الفقهاء فقالوا: لو جوّزنا ذلك للزم أن لا يستقرّ شيء من العقود والإيمان يحكى أنّ المنصور بلغه أنّ أبا حنيفة خالف ابن عباس في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له الإمام أبو حنيفة: هذا يرجع عليك لأنك تأخذ البيعة بالإيمان أترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن المنصور كلامه ورضي الله عنه واستدلّ بأنّ الآيات الكثيرة دلت على وجوب الوفاء بالعقد والعهد. قال تعالى: {أوفوا بالعقود} (المائدة، 1)
وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد} (الإسراء، 34)
فإذا أتى بالعقد أو العهد وجب عليه الوفاء بمقتضاه لأجل هذه الآيات خالفنا الدليل فيما إذا كان الاستثناء متصلاً لأنّ الاستثناء مع المستثنى منه كالكلام الواحد بدليل أنّ الاستثناء وحده لا يفيد شيئاً فهو جار مجرى بعض الكلمة الواحدة فجملة الكلام كالكلمة الواحدة المفيدة، فإذا لم يكن متصلاً أفاد الالتزام التامّ فوجب الوفاء بذلك الملتزم، وقيل أنّ قوله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله. قال عكرمة: واذكر ربك إذا غضبت وقال وهب: مكتوب في الانجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب. وقال