جياعاً ففعل تمليخا كما كان يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها وأخذ ورقاً من نفقتهم التي كانت معهم
التي ضربت بطابع دقيانوس وكانت كخفاف الربع فانطلق تمليخا خارجاً فلما مر بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مرّ ولم يبال بها حتى أتى باب المدينة مستخفياً يصدّ عن الطريق متخوّفاً أن يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر أن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمئة سنة فلما أتى تمليخا باب المدينة رفع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان إذا كان أمر الإيمان ظاهراً فلما رأى عجب وجعل ينظر إليها مستخفياً وينظر يميناً وشمالاً ثم ترك الباب وتحوّل لباب آخر من أبوابها فرأى مثل ذلك، فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرفها ورأى ناساً كثيراً محدثين لم يكن رآهم قبل ذلك فجعل يمشي ويتعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه، ويقول:
يا ليت شعري ما هذا أمّا عشية أمس فكان المسلمون يخبؤون هذه العلامة ويستخفون بها، وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلي حالم ثم يرى أنه ليس بنائم فأخذ بكسائه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة، فجعل يمشي بين ظهري سوقها فيسمع ناساً يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقاً ورأى أنه حيران فقام مسنداً ظهره إلى جدار من جدران المدينة ويقول في نفسه: والله ما أدري ما هذا عشية أمس فليس على وجه الأرض إنسان يذكر عيسى بن مريم إلا قتل، وأمّا اليوم فأسمع كل إنسان يذكر عيسى ولا يخاف ثم قال في نفسه: لعل هذه ليست المدينة التي أعرف، ووالله ما أعلم مدينة بقرب مدينتنا فقام كالحيران ثم لقي فتى فقال له: ما اسم هذه المدينة يا فتى؟ فقال: اسمها أفسوس. فقال في نفسه: لعل بي مساً أو أمراً أذهب عقلي والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شرّ فأهلك ثم أنه أفاق فقال: والله لو عجلت الخروج من هذه المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس فدنا من الذين يبيعون الطعام فأخرج الورق التي كانت معه فأعطاها رجلاً منهم فقال: بعني بهذا الورق طعاماً فأخذها الرجل فنظر إلى ضرب الورق ونقشها فعجب منها ثم طرحها إلى رجل من أصحابه فنظر إليها ثم إلى آخر، ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل ويتعجبون منها، ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض:
إنّ هذا أصاب كنزاً مخبأ في الأرض منذ زمان ودهر طويل فلما رآهم تمليخا يتشاورون من أجله فرق فرقاً شديداً، وجعل يرتعد ويظنّ أنهم فطنوا به وعرفوه وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس، وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرّفونه فقال لهم: وهو شديد الفرق أفضلوا عليّ قد أخذتم ورقي فأمسكوها، وأمّا طعامكم فليس لي حاجة به.
فقالوا: من أنت يا فتى؟ وما شأنك؟ والله لقد وجدت كنزاً من كنوز الأوّلين وأنت تريد أن تخفيه انطلق معنا وأرنا وشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت وإنك إن لم تفعل نأت بك السلطان فنسلمك إليه فيقتلك، فلما سمع قولهم قال: ما وجدت شيئاً وقال قد وقعت في كل شيء أحذر منه قالوا: يا فتى إنك والله لا تستطيع أن تكتم ما وجدت فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم وخاف حتى إنه لم يردّ إليهم جواباً، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه وطرحوه