وبسببه {على آذانهم} حجاباً يمنع السماع، أي: أنمناهم نومة لا تنبههم الأصوات الموقظة فحذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال بنى على امرأته يريدون بنى عليها القبة. ثم بين تعالى أنه إنما ضرب على آذانهم {في الكهف} ، أي: المعهود وهو ظرف مكان وقوله تعالى: {سنين} ظرف زمان وقوله تعالى: {عدداً} ، أي: ذوات عدد يحتمل التكثير والتقليل فإنّ مدّة لبثهم كبعض يوم عنده كقوله تعالى: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} (الأنفاق، 35) . وقال الزجاج: إذا قل الشيء فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى أن يعدّ وإذا كثر أحتاج إلى أن يعدّ {ثم بعثناهم} ، أي: أيقظناهم من ذلك النوم {لنعلم} ، أي: علم مشاهدة وقد سبق نظير هذه الآية في القرآن كثيراً منها ما سبق في سورة البقرة {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} (البقرة، 143)
. وفي آل عمران: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} (آل عمران، 142)
وقد نبهنا على ذلك في محله {أيّ الحزبين} ، أي: الفريقين المختلفين في مدّة لبثهم {أحصى لما لبثوا أمداً} واختلفوا في الحزبين المختلفين فقال عطاء عن ابن عباس: المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكاً بعد ملك وأصحاب الكهف. وقال مجاهد: الحزبان من الفتية أصحاب الكهف لما تيقظوا اختلفوا في أنهم كم لبثوا ويدل له قوله تعالى: {قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم} (الكهف، 19)
فالحزبان هما هذان وكان الذين {قالوا ربكم أعلم بما لبثتم} هم الذين علموا أنّ لبثهم قد تطاول. وقال الفرّاء: إنّ طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدّة لبثهم. تنبيه: أحصى فعل ماض، أي: أيهم ضبط أمر أوقات لبثهم وأمّا من جعله أفعل تفضيل فقال في «الكشاف» : ليس بالوجه السديد وذلك أنّ بناءه من غير الثلاثي المجرّد ليس بقياس ونحو أعدى من الجرب وأفلس من ابن المذلق شاذ والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به. ثم قال الله تعالى:
{نحن} ، أي: بما لنا من العظمة والقدرة الباهرة {نقص عليك} يا أشرف الخلق {نبأهم} ، أي: خبرهم العظيم قصاً ملتبساً {بالحق} ، أي: الصدق {إنهم فتية} ، أي: شبان {آمنوا بربهم} ، أي: المحسن إليهم الذي تفرد بخلقهم ورزقهم، ثم وصفهم الله تعالى بقوله: {وزنادهم} بعد أن آمنوا {هدى} بما قذفناه في قلوبهم من المعارف {وربطنا على قلوبهم} ، أي: قويناها فصار ما فيها من القوى مجتمعاً غير مبدد فكانت حالهم في الجلوة حالهم في الخلوة. {إذ قاموا} ، أي: وقت قيامهم بين يدي الجبار دقيانوس من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام {فقالوا ربنا رب السموات والأرض} وذلك لأنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت فثبت الله تعالى هؤلاء الفتية حتى عصوا ذلك الجبار وأقروا بربوبية الله تعالى وصرحوا بالبراءة من الشرك والأنداد بقولهم: {لن ندعو من دونه إلهاً} لأنّ ما سواه عاجز والله {لقد قلنا إذاً} ، أي: إذا دعونا من دونه غيره {شططاً} ، أي: قولاً ذا بعد عن الحق جداً. وقال مجاهد: كانوا أبناء عظماء مدينتهم فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد فقال رجل منهم هو أكبر القوم: إني لأجد في نفسي شيئاً ما أظن أنّ أحداً يجده قالوا: ما تجد؟ قال: أجد في نفسي أنّ ربي رب السموات والأرض. قالوا: نحن كذلك في أنفسنا فقاموا جميعاً فقالوا: {ربنا رب السموات والأرض} . وقال عطاء: قالوا ذلك عند قيامهم من النوم. قال الرازي: وهو بعيد