إلا صاحب اليمامة فنزل {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} (الأنبياء، 36) ، ونزل أيضاً قوله تعالى: {قالوا وما الرحمن} (الرحمن، 60) ، وفرح مؤمنو أهل الكتاب وهو قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب} ، أي: مشركي قريش {من ينكر بعضه} (الرعد، 36)
. وعن ابن عباس «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن} إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمان من السرقة، فإنّ رجلاً من المهاجرين تلاها حين أخذ مضجعه فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردوداً فوضع الكارة ففعل ذلك ثلاث مرّات فضحك صاحب الدار فقال: إني أحصن بيتي» . فإن قيل: إذا قال الرجل ادع زيداً أو عمراً فهم منه كون زيد مغايراً لعمرو فيوهم كون الله تعالى غير الرحمن وحينئذ تقوى شبهة أبي جهل لعنه الله تعالى؟ أجيب: بأنّ الدعاء هنا بمعنى التسمية لا بمعنى النداء والتسمية تتعدّى إلى مفعولين يقال دعوته زيداً ثم يترك أحدهما استغناء عنه فيقال دعوت زيداً والله والرحمن المراد بهما الاسم لا المسمى وأو للتخيير فمعنى الآية ادعوا باسم الله أو ادعوا باسم الرحمن، أي: اذكروه بهذا الاسم أو اذكروه بذلك الاسم فقوله ادعوا الله ينبه على ملزم في كرمه بحكم الوعد من إفاضة الرحمة والكرم، وأيضاً تخصيص هذين الاسمين بالذكر يدل على على أنهما أشرف من سائر الأسماء وتقديم اسم الله على اسم الرحمن يدل على أنّ قولنا الله أعظم الأسماء وتقدّم الكلام على ذلك في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم والتنوين في قوله تعالى: {أياً مّا تدعوا} عوض عن المضاف إليه وما صلة للأبهام المؤكد والمعنى أياً تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله تعالى: {فله الأسماء الحسنى} لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها ومعنى كونها أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم وقد قدّمنا ذكر الأسماء الحسنى في الأعراف عند قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف، 180)
وبعض الأحاديث الواردة في فضلها فليراجع، ووقف حمزة والكسائيّ على الألف بعد الياء ووقف الباقون على الألف بعد الميم، واختلف في تفسير ونزول قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} فروى ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقراءة فإذا سمعه المشركون سبوه وسبوا من جاء به فأوحى الله تعالى إليه {ولا تجهر بصلاتك} فيسمعه المشركون فيسبوا الله تعالى عدواً بغير علم {ولا تخافت بها} فلا تسمع أصحابك {وابتغ بين ذلك سبيلاً} وروي «أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالليل على دور الصحابة فكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يخفي صوته بالقراءة في صلاته وكان عمر يرفع صوته، فلما جاء النهار وجاء أبو بكر وعمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لم تخفي صوتك فقال: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وقال لعمر: لم ترفع صوتك؟ فقال: أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع صوته قليلاً وعمر أن يخفض صوته قليلاً» . وقيل معناه ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلاً، بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار، وقيل إنّ المراد بالصلاة الدعاء، وهذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها وأبي هريرة ومجاهد، قالت عائشة: هي الدعاء. وروي هذا مرفوعاً أنّ