وترادف مننه وفيض مواهبه إليه (م د ن) عن أبي هريرة
• (أقرب ما يكون الرب من العبد) أي الإنسان (في جوف الليل) يحتمل أن يكون قوله في جوف الليل حالاً من الرب أي قائلاً في جوف الليل من يدعوني فاستجيب له سدت مسد الخبر أو من العبد قائمًا في جوف الليل داعيًا مستغفرًا نحو قولك ضربي زيدًا قائمًا ويحتمل أن يكون خبر الأقرب (الآخر) صفة لجوف الليل على أن ينصف الليل ويجعل لكل نصف جوف والقرب يحصل في جوف النصف الثاني فابتداؤه يكون من الثلث الأخير وهو وقت القيام للتهجد وإنما قال في هذا الحديث أقرب ما يكون الرب من العبد وفيما قبله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لأن قرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله) أي من الذين يذكرون الله ويكون لك مساهمة معهم وأفرد الضمير مراعاة للفظ من (في تلك الساعة فكن) وهذا أبلغ مما لو قيل إن استطعت أن تكون ذاكرًا فكن لأن الصيغة الأولى فيها صيغة عموم فهي شاملة للأنبياء والعلماء والأولياء فيكون داخلاً في جملتهم ولا حقابهم بخلاف الثانية (ت ن ك) عن عمرو بن عبسة بفتح العين والباء الموحدة وهو حديث صحيح
• (أقروا الطير على مكناتها) ضبطه بعضهم بفتح الميم وكسر الكاف وتشديد النون قال العلقمي وهذا الضبط هو المناسب للمعنى وهو المعتمد إلى أن قال ولم أعرف لتشديد النون وجهًا جمع مكنة بالضم بمعنى التمكن أي أقروها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطير بها كان أحدهم إذا أراد سفرًا أو حاجة ينفر طيرًا فإن طار يمنة مضى والأرجع فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على مكناتها (دك) عن أم كرز بضم فسكون صححه الحاكم وسكت عليه أبو داود
• (أقسم الخوف والرجاء) أي حلفا بلسان الحال إذ هما من المعاني لا الأجسام ففيه تشبيه بليغ (أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا) أي يتساو أو تفاضل (فيريح ريح النار) أي يشم ريح لهب جهنم لأنه على طريقة الاستقامة ومن كان على طريقة الاستقامة كان جزاؤه النعيم المقيم فلابد من اجتماعهما لكن ينبغي غلبة الخوف في حال الصحة والرجاء في حال المرض وأما عند الإشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر فيتعين حسن الظن بالله والخوف المحمود هو ما صان العبد عن الإخلال بشيء من المأمورات أو الوقوع في شيء من المنهيات والمقصود من الرجاء إن وقع منه طاعة يرجو قبولها وأما من انهمك على المعصية راجيًا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا غرور قال الغزالي الراجي من بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات ونقى القلب عن شوك الهالكات وانتظر من فضل الله تعالى أن ينجيه من الآفات فأما المنهمك في الشهوات منتظر للمغفرة فاسم المغرور به أليق وعليه أصدق (ولا يفترقا في أحد في الدنيا فيريح ريح الجنة) فإن انفراد الخوف يؤدي إلى القنوط من رحمة الله وانفراد الرجاء