الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
برزت الإشارة بالإيماءات مع صريح العبارة من علاّمة مطيق منطيق، وفهّامة متحقق بالتدقيق والتحقيق، مارس كثيراً من العلوم، ونافس بفكره الصافي في فنَّيِّ المنطوق والمفهوم، وظهرت سيادتُه وانتشرت رئاسته، واغتبط الملوك ببهجته ونضارته، وارتبط الغنيُّ فضلاً عن الصعلوك بساحته -زاده الله -تعالى- من فضله، وأبقاه لنشر العلم والتنويه بأهله، وختم له بالحسنى، ورفعه إلى المحل الأسنى- إلى استشكال الجمع بين دعائه - صلى الله عليه وسلم - لخادمه سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه-، حسبما اتفق عليه الشيخان بكثرة المال والولد مع كونه -كما روي من أوجه يرتقي بها إلى الحُسن- دعا بذلك على من لم يُؤمن به ولم يُصدّقه، والتُمس من المملوك الجواب فكتب ذلك باختصار لكونه فهم أن الغرض حين سمى القاصد إنما هو بيان مرتبة الحديث الثاني ومَنْ أخرجه، ثم تبين له حقيقة المراد.
فقال على سبيل الغرض على المشار إليه، لا قصداً للتطويل لديه، غير متعرضٍ لما كتبه أولاً في تخريج الحديث:
الجواب كما ظهر لي أنه يقال: ليس المالان في الموضعين على حدٍّ سواء، فالذي دعا لخادمه بالكثرةِ منه هو الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: «لا خير فيمن لا يُحبُّ المال ليصلَ به رحمه، أو يؤدّي به عن أمانته ويستغني به عن خلق ربه» (?) .
والمعنى في هذا كما قال العسكري: إنه لا خير فيمن يُحبُّ المال لغير هذه الخصال، وإنما يحبُّ المؤمنُ -يعني: الكامل- المالَ لهذه الأشياء (?) ، ونحوه قول سعيد بن المسيّب -رحمه الله-: «لا خير فيمن لا يجمع المالَ فيقضي دينَه