وإنه في سنة 1200 تزاحم باباوان على الرئاسة وجمع كل منهما حزبه للقتال وعلى راية كل صور المفاتيح. وأن أحدهما تصرف في آنية كنيسة مار بطرس وأنفقها في أهبة الحرب. وأن البابا أوربانوس كان يعذب كل من خالفه من الكرادلة أو الكردينالات وفي ذلك الوقت أنكرت دولة فرنسا رئاسة البابا واستبدت أساقفتها بأمور رعيتهم. ومنهم من قال أن البابا يوحنا الثالث والعشرين شكي بأنه سم وباع الوظائف الكنائسية وقتل عدة أبرياء. وأنه كان كافراً ولوطياً معاً. فمن ثم خلع بحضرة الإمبراطور. إلى غير ذلك مما يضيق عنه هذا الكتاب فإني لم أضعه في الدين وإنما أوردت ما مرّ بك على سبيل الاستطراد.
فإن كان ما قاله هؤلاء المؤلفون من الفرنساويين حقاً كان أبرّ من هؤلاء الأئمة وأتقى. إذا لم يُشْكَ قط بأنه لاط أو زنى أو سم أحداً أو هاج الأبناء على آبائهم ليقتلوهم. أو أنه اختلس آنية الكنائس أو طغى وتجبر على سلطانه أو ارتشى. وإنما هي مماحكات جرت بينه وبين بطركه على أشياء غير مقيسة ولا معدودة ولا موزونة ولا مكيلة. فأنت تقول مثلاً أن دركات قنو بين المؤدية إلى سجَّين ثلاث. وهو قال ثلاثمائة. وأنا أقول ثلاثة آلاف. فما مدخل السجن هنا والعذاب. وإن كان ما قالوه كذباً وافتراء كان ذلك أدعى إلى تنكيلهم والاقتصاص منهم. لافترائهم على أحبار الله وخلفائه فواحش لن يستطيع عباد الفتيش أن يأتوا بأفظع منها. مع أنا لم نر أحد منهم عُذب أو نفي استفز من داره أو أنف من محضره. بل قد طبعت كتبهم المرة بعد المرة. وسعرها في الأسواق كسعر كتب العلم. ولعل قائلا أن عرضك هذا موجه إلى البطرك المتولي الآن وهو من أهل الفضل والمكارم وليس هو الذي سجن أخاك وقتله وإنما سلفه. قلت عندي علم ذلك. غير أنه ما دام هو يعتقد بأن ما فعله سلفه كان صواباً فهو شريك له ولا يلبث أن يعامل من يقتدي بأخي معاملة سلفه. وكذلك يعم اللوم جميع المطارنة والأساقفة والقسيسين والرهبان أن كانوا يصوبون ما فعله البطرك المتوفى. وكنت أود لو أختم هذا العرض بعتاب أوجهه إلى حضرة المطران بولس مسعد ابن خالي وخال أخي وكاتب أسرار البطرك. ولكني خشيت الآن من الإطالة. وفيما قلت ما يغني اللبيب.