الحاوي رجل حَوَّاء وحاوٍ يجمع الحيات. قلت هذا غاية ما ذكره صاحب القاموس في ح ي ى والظاهر أنه ووايّ ولكن ضعفه في الواو بقوله قيل ومنه الحية لتحوّيها الخ وقوله يجمع الحيات كأنه لحظ فيه معنى حوى لا يناسب ما قاله في تسير الحِنفش وعبارته. أو حية عظيمة ضخمة الرأس رقشاء ركداء إذا حويتها انتفخ وريدها. فهو صريح هنا في الرقية وقد ذكرت ذلك وما أشبه في كتاب مفرد.

الثلج

لا غرو أن يجد بعض القارئين كلامي في هذا الفصل بارداً لأني كتبته في يوم عبوس قمطرير. ذي زمهرير. والثلج إذ ذاك ساقط على السطوح. وقد سدّ الطرق ودخل في البيوت والصروح. وكاد يطفئ النار ويذهب بالاصطبار. ويمني بالقمر والقمار. غير أنه لا ينكر أحد أن شارب الثلج أو آكلة أو اللاعب به يحس منه بحرارة وكذلك قارئ كلامي فإنه وأن وجده بارداً فلا بدّ وأن يحتمي عليَّ من هذه البرودة فيكون قد حصل الغرض وهو تسخين دماغه. ولا سيما إذ كان قد بقيت فيه بقية غيظ وحدّة من الفصل المتقدم. ولكني لم أقصد فيما حكيته إلا الصدق. ولو خطر ببالي أن آتي إفكا وعضيهة لا وعيت ذلك في قصيدة وختمتها بدعاء ومدح لأحد البخلاء. ومن ماراني في ذلك فليسأل القسيس نفسه. إلا أن الثلج يخالف كلامي من جهة أنه يسقط على الأسود فيبيضه وكلامي قد سقط على القرطاس فسوّده. وكلاهما في ظني يروق العين وكلاهما يجتمعان في هذه الجهة. وهي أن الثلج لا تطلع عليه الشمس أياماً إلا ويذوب. وكذا كلامي فإنه لا يكاد يبقى منه شيء في رأس القارئ بعد تقمّره أو عند ظهور بوح عليه. وهناك جهة أخرى تضمّهما. وهو أن الثلج بعد سقوطه ينشأ عنه الصحو وانجلاء الجو. وكذلك كلامي فإنه بعد تساقطه من رأسي ينشأ عنه انجلاء جوّ فكري وصحو بالي واستعداده إلى ما يروق ويروع. فعلى كل حال تجد المشابهة هنا في موقعها وعذري في محله. وبعد فأني أرى الأغنياء المثرين يتخذون في ديارهم الفسيحة مساكن للصيف وأخرى للشتاء وكنّا للمبيت وآخر للاستحمام. ومن لم يكن له من غيرهم إلا بيت واحد فغير جدير بأن يزار فيه إلا حين يكون بيته موافقا لوقت الزيارة. أو يكون وقت الزيارة موفقا لبيته. فبناء على ذلك ينبغي للعلماء اقتداء بأكابرهم الأغنياء أن يتخذوا لهم في رؤوسهم الفيحاء مواطن متعددة مختلفة لما يأتي عليهم من الكلام البارد والفاتر والحميم. ففي وقت ثوران الدم وهيجان الطبع يقرءون البارد تقليلاً مما حركهم من بواعث الحرارة. وفي وقت السكون يتلون الحميم. أو بالعكس على مذهب من يداوي الشيء بجنسه لا بضده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015