ثم أنه لما حان وقت العشاء جاء ذلك الرويهب بصحفة من العدس المطبوخ بالزيت وبثلاثة أصنج من ذلك الخبز وجعلها بين يدي الفارياق. فجلس للعشاء وتناول رغيفا ودقة بالآخر حتى انكسر. فلما التقم أول لقمة نشبت شظية من الخبز في سنه وكادت أن تذهب بها. فجعل يسندها ويسد موضع الخلل منها بالعدس. ولم يكد يتم العشاء حتى اشتدت حرارة العدس في بدنه فجعل يحك بأظفاره وببعض قصد الرغيف حتى تهشم جلده. فساءه ذلك جداً. وقال لقد خلخلت هذه الكسرة سني فلأقلعن سناً من أسنان هذا الدير. ثم إنه اعمل فكرة في نظم بيتين في العدس تشفيا مما ناله منه جريا على عادة الشعراء من انهم يتشفون بعتابهم الدهر مما هم فيه من النحس والقهر والشقاوة والضر. فالتبست عليه لفظة فقام في طلب القاموس فطرق باب جاره وكان من المتحمسين في الدين. فقال له هل عندك يا سيدي القاموس. قال ما عندنا بالدير جاموس بل ثيران. فما حاجتك به الآن. فطرق باب آخر وكان أشد منه خشونة. فقال له هل لك ان تعيريني القاموس ساعة قال اصبر عليّ إلى نصف الليل فإن الكابوس لا يأتيني إلا في هذا الوقت. فمضى إلى غيره وأعاد عليه السؤال. فقال له أي شيء هو هذا القاموص يا ماغوص فرجع إلى صومعته وقال. لابد من نظم البيتين. وسأترك محلا فارغا للفظة فقال:
أكلت العدس في دير مساء ... فبث وبي أكال لا يطاق
فلولا أنني أعملت ظفري ... لقال الناس ... الفارياق
فلما كان نصف الليل والفارياق نائم إذ بأحد الرهبان يقرع عليه الباب. فظن أنه أتاه بالكتاب المطلوب. ففتح له وهو مستبشر بوجدان ضالته. فقال له الراهب قم إلى الصلاة اقفل الباب واتبعني فتذكر عند ذلك ما قاله له جاره من أن الكابوس لا يأتيه إلا في نصف الليل. فقال في نفسه لقد صدق الرجل فإن هذا الداعي أشد على النائم من الكابوس. قبحا لها من ليلة شؤمي لقد كاد الخبز يقلع سني والعدس منافي بالحكة. وما كدت الآن أغفى حتى أتاني هذا القارع الأقرع النحس يدعوني إلى الصلوة أكان أبي راهباً وأمي راهبة أم وجب على الشكر والصلاة من أجل أكلة عدس؟ ولكن سأصبر إلى الصباح.