فمن قرأت مثلا في شرح المشارق لابن مالك إن مراتب العشق ثمانية أدناها الاستحسان وينشأ عن النظر والسماع ثم يقوى التفكير فيصير مودة وهي الميل للمحبوب. أي المحبوبة. ثم يقوي فيصير محبة وهي ائتلاف الأرواح. ثم يقوى فيصير خلة وهي تمكن المحبة في القلب حتى تسقط بينهما السرائر. ثم يقوى فيصير بحيث لا يخالطه تلون ولا يداخله تغير. ثم يقوى فيصير عشقا وهو الإفراط في المحبة حتى لا يخلو فكر العاشق عن المعشوق أي المعشوقة. وإنه يقوى فيصير تتيما. وفي هذه الحالة لا ترضى نفسه سوى صورة معشوقة، أي معشوقته. ثم يقوى فيصير ولها وهو الخروج عن الحد حتى لا يدري ما يقول ولا أين يذهب وحينئذ تعجز الأطباء عن مداواته. قلت وإن من أنواعه أيضا الصبابة وهي رقة الهوى والشوق. والغرام وهو الحب المستأسر. والهيام وهو الجنون من العشق. والجوى وهو الهوى الباطن. والشوق وهو نزاع النفس. والتوقان وهو بمعناه. والوجد وهو ما يجده المحب من هوى المحبوب أي المحبوبة. والكلف وهو الولوغ. والشغف وهو إصابة الحب الشغاف أي غلاف القلب أو حجابه أو حبته أو سويداءه. والشغف وهو أن يغشى الحب شعفة القلب وهو رأسه عند معلق النياط منه. والشعف وهو بمعناه. والتدليه وهو ذهاب الفؤاد عشقا. لم تتمالك إن تحس بهذه المراتب السنية كلها حالا بعد حال. بخلاف لغات العجم فإنها لا يوجد فيها إلا لفظة واحدة بمعنى المحبة يطلقونها على الخالق والمخلوق. وقد يظهر لي أن كثيرا من الصفات المحمودة في الرجال تكون مذمومة في النساء كالكرم مثلا. فإن كرم الرجل يغطي جميع عيوبه وهو مذموم في المرأة. وقس على ذلك المكر والدهاء والإطراء والفروسية والشجاعة والحماسة والصلابة والخشونة والهمة إلى المراتب السامية والأمور الشاقة والأسفار البعيدة والنيات النائية والمطامع المتعذرة وغير ذلك. والعلة في ذلك كون المرأة تميل بالطبع إلى الشطط ومجاوزة الحد. ودليله في من تميل إلى العبادة والنسك فإنها لا تقف في ذلك على أمد بل تتمادى فيه حتى تتهوس وتتخبل فتدعي المعجزات والكرامات وتعمد إلى الرؤى والأحلام ويخيل لها أن ملكا يناجيها. وهاتفا يناغيها. وإنها تقيم بدعائها الأموات. وتحي الرفات. وربما قتلت أولادها على صغر ابتغاء دخولهم الجنة بغير حساب. أو ولدت توأمين فادعت إنهما من غير أب. وفي من مالت إلى الهوى فإنها تترك أباها وأمها اللذين ولداها وربياها وتقبل تجري في أثر رجل لا تعرف من صفاته شيئا سوى كونه ذكرا. فكل ما كلفت به المرأة كانت فيه اكثر تماديا من الرجل.
فكلفهن بالقراءة لا أدري أين يكون مصيره.. والحامل لها هذا الغلو والشطط إنما هو من معرفتها من نفسها إنها أقوى على اللذات من الرجل. فزيادة إطاقتها لذلك زادت في تماديها فيه. ومنه سرى في غيره من الأطوار والشؤون والأحوال الطارئة وفي بعض الغريزية أيضاً وذلك كالكلام والضحك والسبح والحركة. وما قل منه فيها في بعض الأحوال فإنك تراه زائدا في البعض الآخر زيادة فوق القياس.
ولعل كلامي هذا يسوء النساء إذا سمعن به وهن بين الرجال. لكني أعلم عين اليقين أنهن يضحكن له في أكمامهن استحسانا وتعجبا. حتى كأني يحسبن إني عشت برهة من الدهر امرأة حتى أمكن لي معرفة سرائرهن. ثم مسخني الله تبارك وتعالى رجلا. أو أني علمت ذلك من هند وسعاد وزينب ومية حين كنت أشبب بهن وأنا فتى وأكذب عليهن بقولي لهن إني حرمت الكرى وأجريت على نواهن عبراً. وإني قد فتن لي. وفارقني قلبي. لأجرم أنه لم يفارقني قط. ولو فارقني مرة لما رجع إلي أبدا. إني طالما أدخلت عليه هموما وأحزانا لم تكن لتهم أحدا من الناس في بلادي إذ كنت أحزن لتعصي معنى من المعاني علي وأحاول اختراع شيء من البديع لم يكن سبقني إليه. ظانا أنه الناس مقام هذه المخترعات التي يزهي بها الكون عصرنا عصرنا هذا فلم يتهيأ لي فكنت أبيت في الليل في يأس وكرب. معاذ الله لم تكلمني وما كلمت هند وإنما عرفت ما عرفت من الأحلام الصادقة إذ كنت أبيت وأنا مخلص لله الإنابة والقنوت فإن لم يصدقني فليبتن ليلة أو ليلتين تائبات قانتات مثلي وأنا ضامن لهن أنه يهبط عليهن من الأحلام الصادقة ما يوقفهن على أمور الرجال.