لما نكبت نصارى حلب وجرى عليهم من نهب المال وهتك العرض ما جرى، اجتمعت رؤساؤهم في الدّين وارتأوا أن يبعثوا من طرفهم وكلاء إلى بلاد الإفرنج ليجمعوا لهم من دولها وكنائسها ومن أهلها الخيرين مدداً يقوم بأودهم. فاختارت الكنيسة الرومية الأرثوذكسية الخواجا فتح الله مرّاش واختارت الكنيسة الرومية الملكية المطران اتناسيوس التتونجي مؤلف كتاب الحكاكة في الركاكة. ورجلاً آخر معه يقال له الخواجا شكري عبود. فاقبلوا يجولون في البلاد حتى انتهوا إلى مملكة أوستريا فجمعوا منها مبلغاً. وكان معهم منشور من مطراني الكنيستين المذكورتين في حلب يؤذن بوكالتهم من الطائفتين في هذه المصلحة. فلما فرغوا في بلاد النمسا قدم الخواجا فتح الله المزبور ورفيقه الخواجا شكري عبود إلى باريس ومعهما ذلك المنشور. وبقي المطران هناك على عزم أن يجتمع بهما في بلاد الإنكليز. وإنما لم يقدم معهما إلى فرنسا مع أنه هو وكيل الكنيسة الملكية وهي على مذهب الكنيسة الفرنساوية. لما أنه كان سابقاً ارتكب فيها من إساءة الأدب وتعدّى طور أمثاله ما أوجب حبسه ثم طرده منها مدحوراً. فخشي والحالة هذه أن يشهر أمره هذه المرة فيها فيحيق به سوء عمله. فلما أبرز رفيقاه منشور الوصاة المطران باريس والتمسا منه المعونة عجب من رؤيته اسم المطران التتونجي مذكوراً فيه دون رؤية سحنته. فقال لهما ما بال وكيل الكنيسة الملكية لم يحضر معكما. فاعتذرا عن غيابه بأعذار لم يقبلها منهما المشار إليه. وتذكر ما كان فعله التتونجي من قبل فردّهما خائبين. وكان الخواجا فتح الله مراش ورفيقه يترددان على الفارياق مدة مكثهما في باريس. لكن تردد الأول أكثر. وإنما أنس به الفارياق مع علمه بأنه رفيق التتونجي لكونه لكونه رآه من ذوي المعارف والدراية ماعدا كونه متزوجاً وله عيال. وقلّ من كان على مثل ذي الحال وانطوى على غش ودخل. لأن العلم بلطف العقل والعيال ترقق القلب. ثم أرتبك المطران في رطمه في بلد من بلاد أوستريا وهو فيما أظن بولونيا. ففصل منه على نكظ وخزي وسار إلى بلاد الإنكليز مجتدياً. ويومئذ أرسل إلى رفيقيه المذكورين أن يلحقا به. فما مضت بعد سفرهما أيام قليلة حتى ورد إلى الفارياق كتاب من كاتب اللجنة "أي جمعية أخوية" وفي ضمنه كراسة من كتاب كان قد عربه الفارياق من كتب العجم وفيها ما يسوء اللجنة. فأيقن حينئذ بأن أحد رفيقي المطران عند ترددهما عليه سرقها من مخدعه بإشارة المطران. وإنه لما أجتمع به في لندن سلمها له فأهداها المطران إلى اللجنة طمعاً في إيصال الضرر من جانبهم إلى الفارياف. غير أن اللجنة المذكورة لما كانت منطوية على أخلاق كريمة ردت الكراسة على الفارياق. إذ لم يكن لهم بحفظها من مصلحة. وكان ورود الكراسة يوم عزمت الفارياقية على السفر. فبلغ منها الغيظ والحزن كل مبلغ حتى لزمت الفراش. فأما المطران فإنه تصدى له في لندرة بعض رؤساء الكنيسة الباباوية ومنعوه من تعاطي الحرفة الساسانية. حتى أن شنعته وشهرته هناك عطلت أيضاً على غيره ممن كان يجتديهم لمصلحة من مصالح الكنيسة. فحسبوا كل قادم إليهم من بلاد الشرق منافقاً.