ولكن يا أغنياء لندن وأعيانها ألم يكن لكم من وسيلة لمشاهدة هذه الشواخص والجواهض إلا باذلة عزة الحسن المصون. أيحل لكم انتهاك حرمة الجمال وأمجال أيدي هؤلاء الحسان وركبهن لتلامس أعتابكم. ما بال جيرانكم الفرنساوية لا يفعلون ذلك وأنما يسومون خدمتهم تنظيف درج الديار من داخل فقط. فيضع الخادم شيئاً كالقبقاب أو النعل في رجله ويكشط به ما قدر عليه وما لم يقدر عليه يتركه إلى المرة الثانية أو الثالثة. ونحن كذلك لا نكلف نساءنا هذا التنطس الذي لا معنى له. وإنما نكل اليهن ما آل إلى الفقش والرفش أي الطعام والفراش. ومع ذلك فتزعمون أنكم تحترمون النساء وتعرفون قدرهن أكثر منا. لقد كبر ذلك قولاً. فأما تسريحهن في الليالي ليطفن في كل زقاق وشارع وتسفيرهن إلى البلاد الشاسعة وحدهن فلا يعدّ عندنا من الإكرام لهن في شيء: بل هو أحرى أن يكون ديبوبية وقرطبانية وكلتبانية وديوثية وقمعوثية وقوّادية وتوريّة وسقْرية وصقْرية وعزورية ولياسية وطزعية وطسعية وقنْدعية وقنذعية ودُسفانية وإدْسافية وإمذائية ومُمانويّة. وشعنبية وشقحطبية وأدفائية وأرفحيّة. ليت شعري كيف يكون قلب الخادمة حين تأمرها مخدومتها في كل يوم قائلة حكي العتبة. أو حين تسألها رفيقتها هل حككت اليوم عتبة سيدتك. نعم لو كانت العتبة وردت عندكم بمعنى المرأة كما هي في لغتنا هذه الشريفة لكان لا يبعد أن يسبق وهمها عند السؤال إلى ذلك إلا أن لغتكم يابسة قاسحة لا تحتمل التأويل ولا التخريج. ولست أرى لهذه العادة المشطة من سبب سوى أن أحد كبرائكم كان قد أتخذ خادمة رعبوبة والله أعلم منذ ثلاثمائة وخمسين سنة. وكانت امرأته دميمة فغارت السيدة منها فكلفتها حك العتبة والوصيد في كل يوم إذلالاً لها في عين سيدها كأنّ القلب لا يعلق بهوى الجميلة المسكينة كما يعلق بهوى الفُنُق. أو كأنّ الشيء الممجمج يحتاج إلى مرفد. أو الشيء المتدملك إلى وشيعة من القطن. أو الغيل إلى غلالة من الخز. أو المكْرة إلى جوارب من حرير. فسرت هذه العادة الذميمة في جميع كبرائكم إلى عصرنا هذا عصر التمدن والرفق بالنساء. وأنتم أسارى العادات والتقليد. فمتى الفتم فعلة لم يمكنكم أن تنتقلوا عنها. وذلك كتكليف الفتيان من خدمتكم ذرّ رماداً أبيض على رؤوسهم حتى يكونوا كالشيوخ من فوق. وككشف عجائزكم في الولائم عن ترائبهن وأذرعهن. مع أنه لا مناسبة بين أوقات القصوف والحظ ورؤية ترائب منجرد تمني القوم بالقمة. فأما مواطأة الناس على ما اخترعه الأمراء والأعيان على العادات السيئة فهو غير خاص بكم. بل هو عام أيضاً عند سائر الأمم الأفرنجية.
كان وصول الفارياق إلى هذه مدينة الشهيرة في ذات ليلة ضباب فكانت عيناه معمشتين عن رؤية ما فيها من الخصائص. فلما أصبح أخذ يطوف في شوارعها كالمتفرّغ المتبطل فإذا بها ملآنة من المزالج والمزالق والروامج والروامق والجرائي والأطناء والرباي والملمُوات والجَذّابات والرُجَب والروب والفخوت والحراج واللُبَج والبياحات والنصاحات والمصايد والفخاخ والشواصر والنوامير والقحازات والدحاحيس والمفاقيس والشصوص والبيضاوات والقُفّاعات والمجازف والخواطيف والعواطيف والكُفف والربَق والطبق والعوادق والنُشَق والعلاليق والأوهاق والشباك والأشراك والشَوْدكات والأحابيل والكوابيل والشهوم والمصالي. فظهر له أن قوام كل شيء وعتاده وملاكه وقطبه العاصمة متوقف على وجود امرأة. فجميع الصُؤب والكُلَب والحوانيت والكُفُت والقرابج والكرابج والكناديج والمفاتح والمحاسب والمثابر والأنبار والمخازن والمحارف والمصانع والفناتق والفنادق والدكاكين والقرابق والبلاّنات والمنامات والحانات والخانات والأفدية والمطاعم والمشارب تديرها نساء وأي نساء. وما من كَعْب أو تأريجٍ أو أوارجة أو أنجيدج أو بُرْجان أو جُذاء أو برْنامِج أو عهده أو محضر أو جذر أو وصر أو قِط أو نداق أو صكّ أو فذلكة أو سيّال أو ترقيم أو ترقين أو جداء إلا وتتعاطاه المرأة هنا. واللبيب من الرجال من أتخذ في حانوته أو محترفه رامجاً مليحاً يلوّح به للشارين والمجتازين في السبيل. ولا فرق بين أن يكون ذلك الرامج من أهل بيته أو غريباً وإنما العبرة بانفقاس الفخ على أعناقهم.