إني أعاهدك على ما كنا عليه من الحب والوداد من أيام السطح إلى الآن. ولكن حين أحسّ واشعر من هنا بأنك تبدلت السطح بالشطح أقابلك بفعل مثل فعلك والبادي أظلم. قلت إنك كثيرة الوساوس شديدة الغيرة. فلعل شعورك يكون عن وسواس. قالت بل الأولى إن الوسواس يكون عن الشعور. قلت دار ما بينا الدور. قالت حاول إذاً فكَّه. قلت هو فرض فلابد من قضائه. قالت وقضاء لابد من فرضه. قلت أيعقد به العهد. قالت إذا عهد به العقد. قلت لا أرضى بهذه الصفة. قالت ومن لي بوصف هذا الرضى. قلت هلكان العقد في الشرط. قالت كان الشرط بلا عقد. قلت مثلنا مثل ذلك المجنون. قالت لولا الجنون ما جمعنا الزواج: قلت أكثر الناس على هذا. قالت أكثر الناس مجانين. فقلت الحمد لله رب العالمين.
من كان من طبعه المين والافتراء أومن كان جاهلا بالنساء ارتاب في هذا الوداع ونسبه إلى ترقيش الشعراء ومبالغتهم. ولكن أي منكر على من جعلت دأبها وديدنها وشنشنتها ونشنشتها ومُهوأنها وهُذيرباها وأُهجورتها وفَعِلتها ومَطرتها المحاضرة والمفاكهة والمساقطة والمطارحة والمحازرة والمجازرة وسرعة الجواب. بل كثيراً ما كان يجتمع الفارياق اثنان أو ثلاثة من أصحابه فإذا خاضوا في حديث انتدبت لهم وجارتهم فيه وعارضتهم وما تنتهم. فكل فصيح أن تعارضه لم يُبن وكل بليغ أن تساجله يرتكّ. وقد علم بالتجربة أن جواب المرأة أسرع من جواب الرجل. وأن المشتغل بالعلم يكون أبطأ جواباً من غير المشتغل به. لأنه لا يقدم على ذلك إلا بعد الفكر والروية. على أن هذه العبارات التي نقلتها هذه المرأة المبينة من غير قراءة البيان هي دون الأصل بمراحل. فإني لم أقدر في نقل الحركات التي تبدو منها. وعلى أن أصوّر للمطالع عيوناً تغازل وحواجب تشير. وأنفا يرمع. وشفاها تزمع. وخدوداً تتورد. وجيداً يلوي. ويداً تومئ. ونفساً يربو ويخفت. وصوتاً يخفض وينبر. وزد عليه مسح المآق إشارة إلى الاستعبار. وتوالي الزفرات رمزاً إلى الحزن والانبهار. والتبلد إيذاناً بالأسف. والتنقل من جنب إلى جنب إعلاناً بالجزع واللهف. وغير ذلك مما يزيد الكلام قوة وبلاغة. وهذه ثاني مرة ندّمتني على جهلي صناعة التصوير. والمرة الأولى جمالهن. ويمكن إني أندم مرة ثالثة.