لما رجع الفارياق من عند الأمير المشار إليه أخبر زوجته بما أحسن به إليه وبأنه وعده بوظيفة حسنة في مصر. فقالت أنا أسبقك إذا وأنت تنتظره هنا فأني قد اشتقت إلى أهلي فدعني أسافر إليهم. قال لا بأس. فلما أزف الفراق أخذ يودعها ويقول: اذكري يا زوجتي أن لك في الجزيرة حليلاً يرعاك وخليلاً لا ينساك. فقالت من لي بهذا. قال فقلت أيّ هذا تعنين. قالت إنما أعنيك. قلت بل المتبادر غيري. قالت هل الحقائق على بوادركم أنتم العرب. وما زال دأبكم نبش ما في صدور النساء من الأسرار. وفقس ما في يوافيخهن من الأفكار. ومؤاخذتهن بالدثّ والوهم. ومعاملتهن بالحدس والقسم. ومعالجتهن بالهجس والزعم. والرضخ والرجم. والتذقح واللغم. والرسيس والوغم. بدل العَمس والعَسم. والجلهزة والرأم. والحزم والوزم والجمش والفغم. والضم والدعم ولو أن الله تعالى يؤاخذ العباد باللغو مثلكم لما بقي على وجه الأرض من بشر أكثر هذه المشاحنات ناشئ عن لغتنا فأن كل منها تحتمل عدة معان لسعتها. قالت ليتها كانت ضيقة قلت وهذا أيضاً من ذاك. قلت وكذا ذاك في هذا. قلت وكذلك عليه. قالت وتحته فالأولى إذاً السكوت. قلت ليس عند ذلك. قالت أنتم الرجال كلكم منخاريّون فطافطيون رفثيون. قلت من أين علمت ذلك. قالت قد رجعنا إلى الوهم والقسم. قلت بل فلنعد إلى الوداع. قالت نعم أني أسافر وليس لي من آسف عليه. قلت هل أنافي جملة غير المأسوف عليهم قالت ما أنت كأحد الناس. قلت وهذا أيضاً مبهم الست برجل. قالت في أحد المعنيين. قلت هل بقي لك عليّ شيء. قالت جمعهُ. قلت أعندك حساب ذلك في دفتر. قالت نعم قد غرّنا تلحزكم في الشعر يا شعراء فزعمناكم قوالين فعالين. فإذا بكم لا تحسنون إلا الوصف. قلت ومن يحسن الفعل. قالت ومن لا يحسن الوصف. قلت وأين حق الأدب. قالت في مجالس العلماء لا في مجالس النساء. قلت ذلك يفضي إلى الانبتات. قالت وهذا إلى الانبتات. قلت كيف يمكن الفراق إذاً. قالت أن شئت الوزم الآن وإلا فدعه إلى أن تأتي مصر. قلت كيف يتأنى وزم أعوام في ساعات أو أيام؟ وأشفق أن أحين وعليّ ذبابة. قالت إذا كنت لم تخش من الدين، فما أخالك تخشى من الحين. قلت لقد أذكرت ناسياً وطالما حسبت الناس كلهم مثلي. قالت وأنت أنسيت ذاكرة لكوني لم أر لي مثلاً. قلت اذكري السطح واصفحي. قالت ليس الصفح إلا من ذكر السطح. قلت أني أردت السطح القديم. قالت إنما أريد الحديث. قلت يقال في الأمثال لا بركة إلا في قديم قالت يقال في الأمثال لكل جديدة لذة. قلت كيف الفراق وفي قلبك ضغن قالت يا حبذا الضغن. قلت إذا كان بمعنى الشوق أليّ. قالت نعم هي من الألفاظ الغربية التي تعلمتها منك كالعقيون والفطحل والحبرة. قلت لعلك أنست من العقيون والعقيان ومن الفطحل الفحل ومن الحبرة الحبرة. قالت لا تأنس الحبرة بالحبرة. قلت قد وقع ذلك فأنهم قالوا النعمة من النعومة. قالت وقالوا أيضاً التسديد من السداد. قلت لميرد في النهي عن ذلك أمر. قالت هو مقيس على نقيضه. قلت هذا بذر في أرض سباخ. قالت وذلك قراح بلا حرث. قلت الكلام على البذر. قالت لا يمرؤ الطعام ما دام في الحلق ولا يسوغ الماء إلا إذا مرّ على الزلقوم.