فلما كان يوم الأحد ركبا في زورق وقصدا منزله فوجداه قد استعد للخروج فكأنه أراد أن يأتي ببعض معارفه للفرجة على ضيفيه والظاهر إنه سكر في الطريق أو عند أصحابه فلم يعد. فلما رآهما قال لهما قد وجب عليّ أن أذهب في قضاء مصلحة. ولكن هذه زوجتي وبناتي فاستأنسا بهن ريثما أعود ونتغدى جميعاً قالا لا بأس ثم قعدا مع زوجته. وكان في المجلس شابّ من الإنكليز يناغي إحدى بنات الفَرضي وهو آخذ بيدها. ثم جعل يبوسها بحضرة أمها والزائرين. فاصفرّ وجه الفارياق واحمرّ وجه زوجته وبرقت أسّرة الأم. فقالت الفارياقية لزوجها كيف يبوس البنت هذا الفتى وما يستحي منا. فقال لها ليس البوس عند الإفرنج مما يعاب. فإن الزائر منهم إذا دخل بيت أحد من أصحابه تعيّن عليه أن يبوس زوجته وبناته جميعاً ولاسيما إذا كان في يوم عيد. على أن عندهم قد بمعنى ما يراد بعدها ولكن هذه عادتهم. قالت ولكن هلاّ يستحي منا حال كوننا غريبين عنه. قال إذا كان الشيء مباحاً كانت إباحته أمام القريب على حد سواء. أو لعل الرجل قد ظنانّا لا نعرف هذه الصنعة في بلادنا. قالت ما اجهل من ظن هذا فإن القبلة عندنا لا تكون إلا مع زفير وتنهد ومص وشم وتغميض العينين. فأما هذا فإني أراه يرفّ من إحساسٍ فعل المستخفّ بما تحت يده. قال قد يظهر لي من القاموس إن المكافحة والملاغفة والمثاغمة واللثم والفَغْم والكعْم والتقبيل إنما هو بوس الرجل المرأة من فمها أو التقامه له بمرّة فقالت حيّي الله العرب أئمة القبلة والقُبلة. فإن التقبيل الجبين كما يفعل هؤلاء لا معنى له. ولكن لم كان التقبيل في غير الفم والخدّ خالياً عن اللذة التي يحسّ بها المقبّل في هذين الموضعين؟ قال لأن الظمآن لا يرتوي من وضع فمه على أعلى القلة أو على جنبها. قالت فعلى ذكر الظمأ لم تصف الشعراء الريق مرة بأنه حلو ومرة بأنه يروي الظمأ وهو خُلف؟ قال لعل ذلك من مشكلات الشعر أو من المعضلات النساء. قالت فعلى ذكر المشكلات والمعضلات هل يستطيب العاشق شرب الرضاب من غير الفم؟ قال أما عند بعض العرب فلا يبعد وإما عند الإفرنج فينكرونه حتى من الفم. بل لا يعرفونه له اسما غير البصاق.

قالت فعلى ذكر اختلاف الأسماء ما يقال لهذه الأمّ التي ترتاح إلى رؤية ابنتها على مثل هذه الحالة هل يقال لها قواده. قال إنما القيادة في الأصل صفة الرجل إذا كان يقود على حرمه. قالت أن وقوع هذا الأمر في شأن الأم أكثر منه في شأن الرجل. إذ الأمهّات تنشرح صدروهن عند مشاهدة عاشق لإحدى بناتهن. لان الأم عند رؤيتها عاشق بنتها تعتقد أن العاشق لا يرى في البنت جمالاً إلا ويراه في أمّها حالة كونها هي الأصل. وانه لا يكاد يحب الفرع دون محبته لأصله. ثم تماديا في الحديث حتى حان الظهر فأقبلت بنات الفرضي وبيدها كسرة خبز وقطعة جبن وجعلت تأكل وهي واقفة. ثم تولت وجاءت أخرى وفعلت مثلها. وكان للفقيه المذكور سبع بنات وعدة صبيان. فلما مضى ساعتان بعد الظهر قالت الأم للمدعوّين لعلكما جعتما فإن وقت الغداء قد فات. زوجي أبطأ. قالا ننتظره إلى أن يجيء. فلما صارت الخامسة أطن جرس الأكل ليجتمع المتفرقون من أهل البيت كما هي عادة ذوي العيال من الإنكليز. ثم مضت ساعة وأعيد إطنان الجرس ومازالت الساعات تمضي حتى نجزت الساعة الحادية عشرة. وفي خلال ذلك كانت الأم تتفقد المطبخ وتسار البنات كأنما نزل بهن نكبة البرامكة. فقال الفارياق لزوجته إن لم نذهب الآن لن نجد بعدها زورقا ولا مبيت في هذا العبر يصلح بنا. ثم نهضا ومسّيا على صاحبة البيت وركبا في زورق ودخلا البلد عند نصف الليل فتعشيا في بعض المطاعم عشاء في ضمنه غداء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015