يا مفرد الجمال ... يا بدر أحسن حالي

شمتّ بي عذّالي ... أما كفى أشجاني

سبحان من قد أبدع ... هذا المحيا الأروع

والحسن طرا أودع ... في طرفك الفتّان

أن الهوى هوان ... تضنى به الأبدان

ما أختاره إنسان ... إلا وكان العاني

مولاي يا مولانا ... يا منتهى منايا

لا تتخذ سوايا ... وتسلني بثاني

العدوى

قد تقدم في المقامة الأولى أن عدوى الشر أفشى من عدوى الخير. وأن الأجرب قد يعدي أهل المصر جميعاً بخلاف الصحيح فأنه لا يعدي أحداً من جيرانه. وهذا يرى أيضاً في الأمراض العقلية والقلبية. وشاهده على ما قالوه أن معلميَّ الصبيان لكثرة معاشرتهم ومخالطتهم إياهم تركّ عقولهم ويأفن رأيهم. وكذلك المكثرون من مخالطة النساء فإن قلوبهم ترقّ وطباعهم تتخنث. فيتجردون عن تلك الشهامة والبسالة المختصة بالحردين من الناس. وقد أعرف كثيراً من أبناء جنسي الذين عاشروا الإفرنج لم تسترق طباعهم منهم إلا الرذائل دون الفضائل. فصار أحدهم لا يقوم عن المائدة إلا وقد مسح الصفحة التي أكل منها مسحاً لا تحتاج معه إلى غسل. وإذا حضر مجلساً أنحى على أحد شقيه وزقع زقعة يدوي منها المجلس. وربما غسلها بعد ذلك بقوله سكوزي أي أعذروني. ومنهم من يلبس هذه النعال الإفرنجية. ويطأ بها وسادتك هذه العربية أو يرخي شعره كشعر المرأة وأول وما يستقر به مجلس ينزع قبعته ويطفق يزرع في حجرتك ما يتناثر من هِبْريتَه. ومنهم من إذا ضمه مجلس بين إخوانه ومعارفه أو غيرهم ورأى فيه أديبين يتساجلان أو يرويان النوادر الغربية أخذ في التصفير. ولكن تصفيراً مختلاّ خلاسياً إي غير إفرنجي محَت ولا عربي حَتْم. إذ لم يكن قد عاشر القوم مدة طويلة تمكنه من تحصيل هذا الفن الجليل. ومنهم من يمد رجله إذا قعد في وجه جليسه. ومنهم من يأتيك زائراً ولا يبرج ينظر في كل هنيهة إلى ساعته إشارة إلى أنه كثير الأشغال جم المصالح. مع أنه يلبث عندك حتى يراك تهوم من النعاس. أو يراك قد حملت وسادتك وقلت شفى الله مريضكم. كما قال الأخفش لمن عادوه في مرضه.

مع أن الإفرنج فضائل كثيرة لا تنكر. منها أنهم يرون في استعارة المتاع والماعون والكتب وغيرها عيباً. ومنها أنه إذا زار أحدهم خليلاً له ورآه مشغولاً رجع على عقبيه من حيث جاء فلا يقعد ينتظره حتى يفرغ من شغله. بل لو وجده متفرغاً خفف عنده ما أمكن. وإذا رأى على مائدته كراريس أو صحفاً لم يتلقفها ليقرأها ويفهم مضمونها. ومنها أنه إذا كان للمزور منهم ولد مريض أو كانت زوجته قد وضعت أو مرضت فلا يترك مريضه ويقعد مع الزائر للسلام والكلام فيما لا طائل تحته. ومنها أن أحدهم لا يتزوج امرأة إلا بعد أنيراها ويعاشرها. وأنهم يبوسون أيدي النساء ووجوه بناتهنّ وما يرون في ذلك معرّة وانحطاط قدر. وإنه ليس عندهم أوشن ولا ضيْفن ولا مُزّوٍ. ولا يقول أحدهم لصاحبهم أعرني منديلك طي أمخط فيه أو آلتك كي أحتقن بها. ومنها تساهلهم مع المؤافين وحملهم ما يصدر منهم من الجهل والخطأ محْمَل السهو أو الأغراب. فلا يتعنتون مثلاً على من قال فلان شمّ النرجس وحبق. أو حبق وشم النرجس. أو شم فحبق أو ثم حبق. والمؤلفون عندنا لا يجوزون ذلك. وفي كتاب ألفه أحد معارفي من الديار الشامية باللغة الإنكليزية في أحوال تلك البلاد وأخلاق أهلها. بعد أن وصف عرساً حضره في دمشق ذكر أنهم ختموا العرس بأغنية لم يزل ذاكراً لها بحروفها. وقد رأى تفضلاً منه أن يترجمها إلى اللغة المذكورة. وهي في الحقيقة مرثية في امرأة أذكر منها بيتين وهما:

بالله يا قبر زالت محاسنها ... وهل تغير ذاك المنظر النضر

ما أنت يا قبر بستان ولا فلك ... فكيف يجمع فيك الزهر والقمر

ومع ذلك فإن الإنكليز حملوا روايته على الأغراب ولم يخطئه أحد منهم بقوله كيف يمكن لأهل الشام الموصوفين بسلامة الذوق واستقامة الطبع أن يختموا أعراسهم بالمراثي المبكية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015