ورأى صاحبنا هذا اليهودي قريب مما رأيت. فلا يخالف إلا في أسباب الطلاق وهي كيت وكيت فأما صاحبنا الأمعة. فإنه متردد في هذه القضية المنكعة. فتارة يقول أن الطلاق ادعى إلى الراحة. وتارة إنه موجب لنكد العيش وصفق الراحة وطورا يزعم أن المتعة أو الزواج إلى أجل مسمى أوفق. حتى إذا انقضى يجدد العهد بينهما ويوثق. إلى أن يتفارقا عن تراض. ويقضيا لهما وعليهما ولا قاض. فهو أخف على الثبج. وأنفى للحرج وإن يكن يفعله بعض الهمج. وحيناً يقول بل التسري اسرّ. وأهنأ واقر. أن لم يكن من القرينة مفرّ. وآونة يختار الاقتصار على خويدمة رعبوبة. وآونة على وحدة العزوبة. والتناول مما تفيزه به الفرص المرقوبة. وأخرى على جب الآلة. إن كان الجب ينجي من الحبالة. قال وذلك إني صعدت في درجات هذه الخطة ونزلت في دركاتها. وعانيت ضروبا من أخطارها وهلكاتها. فوجدت عند كل درجة منها مهواة تغيب فيها الأحلام. وتضيع الإفهام. وتهن القوى ويستطاب التوى. ويصغر كل عظيم من البلا: حتى كأنّ هذه الحاجة ليست من الحوج في شيء. وما لها به من صلة لحيّ فهي داء لا أسى له. وثوب قشيب مسموم يسر ناظره وحامله. لكن يقرح أوصاله ومفاصله. وكل أمر في الدنيا فإنما يصح قياسه على عقول الكيسي من الناس. ويعالج بالصبر أو اليأس إلا هذه الحوبة فإن المرجع فيها إلى الطباع. ولا يفيد معه رشد ولا زماع. ثم أنّ أنين الثكلى.

وقال وإني أزيد على ما قاله الأمعة قولا. ولا أخشى من أحدكم عذلا. فأقول ولكم تصدعت قلوب من ذلك الصدع. واشتقت من ذلك الوماح مشاقّ لا يطيقها طبع. وكم من رؤوس لأجله دعكت ورضت. وعقول أفنت وحرصت. وأعناق دقت. وعيون لقتّ. وأسنان هثمت. وأنوف شرمت. وشعور ندفت. ولحي نتفت. وأيد قطعت. وأنساب ضيعت. وكتائب كتب كُتبت. "حاشية من جملتها هذا الكتاب" وخيل ركضت. وسيوف ومضت.. ورماح شرعت. وأحزاب تترعت. وجبال دكت ونسفت وبيوت أقوت وعفت. وأملاك حربت. وملوك استخربت.

وبلدان خربت. بل أمم تهالكت وفنيت. وقرون اندرجت ونسيت. ثم تأوه وقال وسلعة نفدت ودنانير نقدت. قال الهارس فعلمت أنه قد صدعه الصدع بماله وعظة بلهاته عند تغلغله فيه وإيغاله. ولذاك كان يفيض في حديثه ويخوض فيه. ليعلم هل من مصاب مثله وعنده علم ما يشفيه. ثم التفت إليّ مستعبرا. وقال وأنت فما ترى؟ قلت والله أنها لإحدى الكبر. ومعضلة تفيض لها العبر. قد طالما ارتبك فيها العالم النحرير وضل عن علمها اللبيب الخبير لا جرم أن معرفة الأفلاك وكواكبها وايشاء معادن الأرض وعجائبها وأسرارها وغرائبها. لأهون عليّ من أن أقول في هذه المسألة نعم أو لا فما أرى إلا سكوتي عناه أولى ثم بيناهم يوجبون ويسلبون ويوجزون ويسهبون إذا بالفارياق مرّ علينا راكباً على حمار فاره. سامد سامه. فلما بصرت به قلت له نزال نزال. وحيّ على هذا العدال. فما نرى غيرك جديرا بإيضاحه. وبشفائنا من صماحه. قال في أي أمر مريج كنتم تخوضون. وعن أي نكر مشيج انتم تجيضون. قلنا له في الزواج فهلم العلاج. فابتدر على ارتجال.

مسألة الزواج كانت ثم لا ... تزال طول الدهر أمراً معضلاً

أن يكون الطلاق يوماً حللا ... للزوج أيان ابتغاه فعلا

فليس عندي رشد أن تحظلا ... زوجته عنه ولا أن تُعضلا

أن لم يصيبا للوفاق سبلا ... فدعهما فليفعلا ما اعتدلا

أيان شاء طلقا وانفصلا

قال فضحكنا من افتخاره ما لم يذكر في الكتب. وقلنا له إلى حمارك عن كثب. فما نرى رأيك إلا بدعا. ولقد أسأت إِجابة بعد أن أصبت سمعا.

ثم تفرقنا كما اجتمعنا وعجبنا مما سمعنا.

تفسير ما غمض من ألفاظ هذه المقامة ومعانيها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015