يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ حِينَئِذٍ، وَقَدْ جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ بِأَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ إذَا كَانَتْ تَنْفَعُ مِنْ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ أُبِيحَ سَمَاعُهَا. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَمَا قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ. انْتَهَى وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَقِيقَةَ لِهَذَا الْوَجْهِ، فَاتَّضَحَ نَفْيُ الشَّيْخَيْنِ الْخِلَافَ فِي الْأَوْتَارِ وَأَنَّهَا كُلُّهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَأَمَّا حِكَايَةُ ابْنِ طَاهِرٍ عَنْ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُبِيحُ سَمَاعَ الْعُودِ وَيَسْمَعُهُ وَأَنَّهُ مَشْهُورٌ عَنْهُ وَأَنَّ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ حِلَّهُ هُوَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَقَدْ رَدُّوهُ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ بِأَنَّهُ مُجَازِفٌ إبَاحِيٌّ كَذَّابٌ رِجْسُ الْعَقِيدَةِ نَجَسُهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَقِبَ كَلَامِهِ هَذَا: وَهَذِهِ مُجَازَفَةٌ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ الْمَجَانَةِ وَالْبَطَالَةِ وَنِسْبَتُهُ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ التَّنْبِيهِ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ فِي السَّمَاعِ نِسْبَةٌ بَاطِلَةٌ قَطْعًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُهَذَّبِهِ هُنَا وَفِي الْوَصَايَا بِتَحْرِيمِ الْعُودِ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي تَنَبُّهِهِ. وَمَنْ عُرِفَ حَالُهُ وَشِدَّةُ وَرَعِهِ وَمَتِينُ تَقْوَاهُ جَزَمَ بِبُعْدِهِ عَنْهُ وَطَهَارَةِ سَاحَتِهِ مِنْهُ، وَكَيْفَ يَظُنُّ ذُو لُبٍّ فِي هَذَا الْعَبْدِ الْقَانِتِ أَنَّهُ يَقُولُ فِي دِينِ اللَّهِ مَا يَفْعَلُ ضِدَّهُ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ غَلِيظِ الذَّمِّ وَالْمَقْتِ؟ . وَكُلُّ مَنْ تَرْجَمَ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فِيمَا نَعْلَمُ.
وَمِنْ مُجَازَفَةِ ابْنِ طَاهِرٍ أَيْضًا قَوْلُهُ وَأَنَّهُ مَشْهُورٌ عَنْهُ، وَدَعْوَى ابْنِ طَاهِرٍ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ تُعْمِي وَتُصِمُّ انْتَهَى كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ، وَبِهِ يُرَدُّ نَقْلُ الْإِسْنَوِيِّ عَنْ ابْنِ طَاهِرٍ مَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَذَا تَلْبِيسٌ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ قَلَّدَ فِيهِ صَاحِبَهُ الْكَمَالَ الْأُدْفَوِيَّ فِي كِتَابِهِ الْإِمْتَاعِ، وَلَا يَجُوزُ حِكَايَةُ هَذَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فَإِنَّ ابْنَ طَاهِرٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِسَبَبِ الْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُ الْخَادِمِ اعْتِرَاضًا عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ، بَلْ الْمِزْمَارُ الْعِرَاقِيُّ وَمَا يُضْرَبُ بِهِ الْأَوْتَارُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ.
إذْ لَا مُنَاسَبَةَ لِذِكْرِ ذِي الْأَوْتَارِ مَعَ مَزَامِيرِ الْقَصَبِ يُرَدُّ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةً تَامَّةً لِمَا بَيْنَ الْمَزَامِيرِ وَذَوَاتِ الْأَوْتَارِ مِنْ التَّجَانُسِ. وَمِنْهَا: قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الصَّنْجِ: يُكْرَهُ مَعَ الْغِنَاءِ وَلَا يُكْرَهُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ بِانْفِرَادِهِ غَيْرُ مُطْرِبٍ وَهُوَ شَاذٌّ، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ زَيَّفَهُ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ كَثِيرُ الْمُتَابَعَةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ بَلْ أَكْثَرُ بَحْرِهِ مِنْ حَاوِيهِ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ