قال بعض الصالحين: " دخلت ديوان التحقيق، فرأيت جماعة من العمال بأيديهم صحائف الأعمال والأعوان وقوف وقد نصبت الموازين، ونشرت الدواوين، وجرت الأوامر بتحرير العمال واستخراج الأعمال، فوقفت أتأمل ووجهي يتململ وقد حضروا بثلاثة نفربريء، ومقصر، وجان، وقد عرضوا للحساب. فتقدم الأول، فقيل له: أين أعمالك التي قدمتها وحسناتك التي أخرجتها؟ فقال وهو ذليل: حسابي منتظم مستطر، وعملي حاضر، فعرضت أعماله على البصير، وأطلع عليها العالم الخبير، فقيل له: هنيئاً لك من خادم، بحق سعد في أحواله، ووقف فطولع، فخرج الأمر بإكرامه وإجلاله، وكتب له القبول وخلعت عليه خالع الوصول.
وقدم الثاني، وهو المخلط المتواني عن مثل تلك المعاني، وحوسب فظهر أنه فرط في البعض، وشقي بحسابه يوم العرض، فلما دقق عليه ونوقش وشدد عليه، وحقق بعد حاصلة، وارتعدت مفاصله، فلم يزل يتردد بين لعل وسوف، والوقوف بين الرجاء والخوف، إلى أن خرج الأمر بتسليم لم ما في يده، وأن يسقط ما بقي عليه، ثم قيل له: إياك أن تعود إلى التخليط، وأحذر من أن تأتي بتفريط، وكن مطيعاً سامعاً، فما كل وقت تجد شافعاً.
ثم جيء بالثالث وهو الجاني الساكت، فتلجلج في الجواب، إذا لم يكن معه عمل ولا حسنات، فقيل له: ما الذي دهاك وغرك ولهاك، فقال: شغلني جرمي ومصابي عن نظم حسابي، وانقطع زماني بالشهوات والأماني، فقيل له: ما بهذا أمرت ولا عليه عوملت، يا قليل الفلاح، هذه أعمالك القباح، ألك ما ينجيك؟ آلك عمل يوفيك؟ فقال: والله ما لي ذخيرة، ولو كنت أعقل أمري ما انهتك اليوم ستري، فحوسب بأعماله فحرج الأمر بنكاله، فخرج يتعثر في أذياله، متحيراً لسوء أفعاله، فحمل إلى ضيق السجون وهو على حاله، متحسر مغبون ". وهذا مثل مضروب لتصغي إليه أرباب العقول.
وقيل في المعنى شعر: