والعرب تسمي الجمعة (العَروُبة) . ويعبّر صاحب الحلل الموشية عن ذلك بقوله 1:"وكان يوماً لم يُسمع بمثله من اليرموك والقادسية، فياله من فتح، ما كان أعظمه، ويوم كبير ما كان أكرمه، فيوم الزلاقة ثبتت قدم الدين بعد زلاقتها، وعادت ظلمة الحق إلى إشراقها، نفست مخنق الجزيرة بعض التنفس، واعتز ّبها رؤوس الأندلس.." فانتعشت النفوس وقوّت الآمال، فأعادت للوجود الإسلامي اعتباراته، وكان يوشك على الأفول، وأظهرته من جديد في ثوب قشيب رائع، ليواصَل حياته الجهادية مدى قرون أخرى.
وحرّرت الزّلاّقة سرقسطة وحمتها من الوقوع بأيدي القوى الصّليبيّن التي كانت تحاصرها عند نزول قوات المرابطين بالأندلس.
ورفعت من شأن المرابطين وأميرهم يوسف بن تاشفين أمام الرّأي العام الإسلامي، بجهادهم وذبّهم عن ثغور الإسلام، واتجهت أنظار المسلمين إليهم للتخلّص من أمراء الطّوائف، فاتخذ يوسف صورة المنقذ للمسلمين في الأندلس، فمهّد ذلك لإسقاط ملوك الطوائف، وضمّ الأندلس إلى دولة المرابطين في المغرب لحمايتها من هجمات النّصارى.
والغريب أن أمير المسلمين لم يستغلّ انتصار المسلمين الحاسم في الزلاقة، فلم يطاردوا عدوّهم، بل لم يحاولوا السّير إلى طليطلة (إلا بعد مدة طويلة) لاستردادها وهي كانت معقد المحنة التي دفعت أمراء الطّوائف للخضوع إلى طلب النّصرة، وقد تفرّق الجيش الإسلامي، فارتدّ أمراء الأندلس كلٌّ إلى بلاده، في حين رحل المعتمد بن عباد إلى أشبيلية ومعه أمير المسلمين، الذي أقام بظاهر أشبيلية ثلاثة أيام، ووردت عليه من المغرب أخبار تقتضي العزم، فسافر وذهب معه ابن عباد يوماً وليلة، فحلف ابن تاشفين وعزم عليه في الرجوع.. فسيّر معه ولده عبد الله إلى أن وصل البحر وعبر إلى المغرب 2. وقد علّق اشباخ على موقعة الزلاقة فقال 3: "إن يوسف بن تاشفين لو استطاع أن يستغل نتائج انتصاره في معركة الزلاقة، لكانت أوربا الآن تدين بالإسلام، ولرأينا القرآن يدرس في جامعات موسكو وبرلين ولندن وباريس". ولسنا نحن بصدد لو فإن لو تفتح عمل الشيطان. ولكننا نتساءل: لماذا لم يستغل المسلمون انتصارهم؟!. ولنحاول أن نتلمّس الجواب من بين الأحداث السابقة واللاحقة.