حين بقيت طليطلة المسلمة وحيدة تصارع هذه القوى، وأمراء الطوائف جامدون لا يتحرّكون، وكأن الأمر لا يخصهم، بل ارتمى بعضهم كزعيمهم ابن عباد على اعتاب الفونسو، وتغافلوا عن الحقيقة: (إن النصارى لا يفرّقون بين طليطلة وغيرها من القواعد الإسلامية) ولم يقم بواجب نجدتها إلا المتوكّل على الله عمر بن محمد بن الافطس أمير بطليوس الذي وقف مجاهداً عن الإسلام وأهله كوالده الذي كان قد دعا إلى وحدة الأندلس للوقوف في وجه النصارى، وأنحى باللائمة على ابن عباد الذي مالأ الاذفونش، وبينّ أن سبب تكالب الأفرنج على بلاد المسلمين يكمن في ذنوبهم وتفرّقهمِ 1، واستمرّ في جهاده إلى وفاته سنة 470هـ. فكان ابنه المتوكل هذا لا يقلّ عنه جهاداً، وقد ثار أهل طليطلة عام 472 هـ ضد القادر وخلعوه لتعاونه معِ الاذفونش وخياناته، واستدعوا المتوكّل ليتولىّ أمرها، فقبل مكرهاً، وأقام عندهم نحواً من عشرة أشهر ليعود إلى بطليوس حين علم باستعانة القادر بالاذفونش وتقدّمهما نحو طليطلة 2.
يئس أهل طليطلة من نجدات المسلمين، ففاوضوا الاذفونش من أجل التّسليم، وكالعادة أعطى لأهلها الأمان لضمان حرّيّاتهم، واحترام شعائر دينهم، وحقوقهم، وحرمة مساجدهم، وكعادته أيضاً نقض هذه العهود بعد شهرين فقط، وحوّل مسجدها الجامع إلى كنيسة، وحطّم المحراب ليقام الهيكل مكانه 3،وارتكب بأهلها الأفاعيل وأنزل بها الآثام 4،تباركه الكنيسة في ذلك، واتّخذها عاصمة لأسبانيا النّصرانيّة. وكان سقوطها في منتصف المحرم سنة 478هـ5.
وأسفر سقوط طليطلة عن نتائج هامة:
فقد اشتدّ طمع النّصارى في بلاد الأندلس الإسلامية، فشنّ الأذفونش الغارات على جميع الأندلس المسلمة، وفاز باستخلاص جميع أقطار ابن ذي النون واستئصالها، وذلك