وقال الله تعالى: {أَقِمِ الصلاةَ طَرَفَي النهارِ وزُلَفاً من الليل} (?) ، أراد بطرفي النهار: الظهر والعصر، وزلفاً من الليل: أراد بها: المغرب والعشاء والفجر. فسمى هؤلاء الصلوات: زُلَفاً، لأنّ كُلَّ صلاة منهن في منزلة، وهي قُربة ونجاة. قال الله عز وجل: {وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخرينَ} (?) ، أراد: وقرَّبْنا، أي: قربناهم من الهلاك.
أخبرنا (?) محمد بن عيسى الهاشمي قال: حدثنا القُطَعي (?) قال: حدثنا عبد الملك بن دُرست، قال: حدثنا محمد بن عمر الرومي (?) عن محمد بن ثابت البناني عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أبيه: أنه قرأ على ابن عباس، وقرأ ابن عباس علي أُبَيّ، فقرأ ابن عباس: {وأَزْلَفْنا ثَمَّ الاخرين} ، فقال له أُبَيّ: وأزلفنا، فيها هوادة، وأَزْلَقْنا بالقاف، هي أشدهما (?) . (277)
فكأنه - رحمه الله - ذهب إلى ان " أزلقنا " بمعنى " أهلكنا "، وأن " أزلفنا " لا يكون هذا المعنى واضحاً فيه.
وغيره يقول: " أزلفنا " مأخوذ من التقريب، إمّا إلى نجاءٍ، وإمّا إلى بلاءٍ.
ومن " الزلفة " قولهم: منزلةُ فلانٍ أزلفُ عندَ أخيهِ من منزلة غيره، أي: أقرب، وأشد تقدما. أنشدنا أبو العباس لبعض (?) الشعراء:
(اغتنمْ رَكعتين زُلفى إلى اللهِ ... إذا كنتَ فارِغاً مُستريحا)
(وإذا ما هممتَ بالخوضِ في الباطلِ ... فاجعلْ مكانَه تَسْبيحا)
(والتزامُ السكوتِ أفضل من نُطْقٍ ... وإنْ كنتَ بالمقالِ فصِيحا)