الْعُمر وَمُدَّة الْولَايَة وَهَذِه نُكْتَة قل من فطن لَهَا وَنبهَ عَلَيْهَا ولطيفة هَدَانِي الله بتوفيقه إِلَيْهَا وَذَلِكَ أَن نور الدّين رَحمَه الله ولد سنة إِحْدَى عشرَة وَخمْس مئة وَتُوفِّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَولد صَلَاح الدّين رَحمَه الله سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ فَكَانَ نور الدّين أسن من صَلَاح الدّين بِسنة وَاحِدَة وَبَعض أُخْرَى وَكِلَاهُمَا لم يستكمل سِتِّينَ سنة فَانْظُر كَيفَ اتّفق أَن بَين وفاتيهما عشْرين سنة وَبَين مولديهما إِحْدَى وَعشْرين سنة وَملك نور الدّين دمشق سنة تسع وَأَرْبَعين وملكها صَلَاح الدّين سنة سبعين فَبَقيت دمشق فِي المملكة النورية عشْرين سنة وَفِي المملكة الصلاحية تسع عشرَة سنة تمحى فِيهَا السَّيئَة وتكتب الْحَسَنَة وَهَذَا من عَجِيب مَا اتّفق فِي الْعُمر وَمُدَّة الْولَايَة ببلدة مُعينَة لملكين متعاقبين مَعَ قرب الشّبَه بَينهمَا فِي سيرتيهما وَالْفضل للمتقدم فَكَأَن زِيَادَة مُدَّة نور الدّين كالتنبيه على زِيَادَة فَضله والإرشاد إِلَى عظم مَحَله فَإِنَّهُ أصل ذَلِك الْخَيْر كُله مهد الْأُمُور بعدله وجهاده وهيبته فِي جَمِيع بِلَاده مَعَ شدَّة الفتق واتساع الْخرق وَفتح من الْبِلَاد مَا استعين بِهِ على مداومة الْجِهَاد فهان على من بعده على الْحَقِيقَة سلوك تِلْكَ الطَّرِيقَة لَكِن صَلَاح الدّين أَكثر جهادا وأعم بلادا صَبر وصابر ورابط وثابر