فَمَا زَالَ السُّلْطَان يسير وَيقف حَتَّى لم يبْق من ظنّ أَنه يتَخَلَّف وَدخل اللَّيْل وسلك الرمل وَلَا مَاء وَلَا دَلِيل وَلَا كثير من الزَّاد والعلف وَلَا قَلِيل وتعسفوا السلوك فِي تِلْكَ الرمال والأوعاث والأوعار وبقوا أَيَّامًا وليالي بِغَيْر مَاء وَلَا زَاد حَتَّى وصلوا إِلَى الديار وَأذن ذَلِك بِتَلف الدّواب وترجل الركاب ولُغوب الْأَصْحَاب وفقد كثير مِمَّن لم يعرف لَهُ خبر وَلم يظْهر لَهُ أثر وفقد الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى وَأَخُوهُ الظهير وَمن كَانَ فِي صُحبتهم فضّل الطَّرِيق عَنْهُم وَكَانُوا سائرين إِلَى وَرَاء فَأَصْبحُوا بِقرب الْأَعْدَاء فأكمنوا فِي مغارة وَانْتَظرُوا من يدلهم من بلد الْإِسْلَام على عمَارَة فدّل عَلَيْهِم الفرنج من زعم أَنه يدل بهم وسعى فِي أسرهم وعطبهم فأسروا وَمَا خلص الْفَقِيه عِيسَى وَأَخُوهُ إِلَّا بعد سِنِين بستين سبعين ألف دِينَار وفكاك جمَاعَة من الْكفَّار
قَالَ وَمَا اشتدت هَذِه النّوبَة بكسرة وَلَا عدم نُصرة فَإِن النكاية فِي العدوّ وبلاده بلغت مُنْتَهَاهَا وَأدْركت كلُّ نفسٍ مُؤمنَة مُشتهاها لَكِن الْخُرُوج من تِلْكَ الْبِلَاد شتت الشمل وأوعر السهل وسلك مَعَ عدم المَاء وَالدَّلِيل الرمل
وَمِمَّا قدره الله تَعَالَى من أَسبَاب السّلامة وَالْهِدَايَة إِلَى الاسْتقَامَة أَن الْأَجَل الْفَاضِل استظهر فِي دُخُول بِلَاد الْأَعْدَاء باستصحاب الكنانية