نفر مِنْهُ كل طبع ومجه كل سمع فَكيف جَازَ لصلاح الدّين أَن يُرْخِي عنان أَخِيه فِيمَا يقْرض سوابقه وأواخيه وَمِنْهَا مَا قضى النَّاس مِنْهُ الْعجب وفورق فِيهِ الحزم وَالْأَدب وَهُوَ مَا أوجب التلقب باللقب الَّذِي اسْتَأْثر بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ
ثمَّ قَالَ وَقد ساوق زمَان الدولة العباسية ثبتها الله خوارج دوخوا الْبِلَاد وأسرفوا فِي العناد وجاسوا خلال الديار وأخافوا المسالك واستضاموا الممالك واقتحموا من الشقاق أشق المهالك فَمَا انْتهى أحدهم فِيمَا احتقب وارتكب إِلَى الْمُشَاركَة فِي اللقب وَمن الحكم الذائعة فِي وجيز الْكَلَام الَّذِي يصلح للْمولى على العَبْد حرَام
وَمِنْهَا مُكَاتبَة كل طرف يتاخم أَعمال الدِّيوَان من مَوَاطِن التركمان والأكراد ومراسلتهم ومهاداتهم وقرع أسماعهم بِمَا يعود باستزلال أَقْدَامهم وفل عزائمهم وهم لَا يعْرفُونَ إِلَّا أَنهم رعية للعراق وخول للديوان يَرِثُونَ الطَّاعَة خالفا عَن سالف
ثمَّ قَالَ فِي آخر الْكتاب وَهَذَا كُله لَا أقوله إنكارا لجلائل مقامات صَلَاح الدّين ومشاهير مَوَاقِف جهاده فِي سَبِيل الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُ أدام الله علوه رجل وقته ونسيج وَحده والمربي على من سلف من صنائع الدولة على من يَأْتِي بعده وَهُوَ الْوَلِيّ المخلص الَّذِي عهد فوفى واستكفي فَكفى وطب فشفى فَكيف يجوز لَهُ بسعادته أَن يهجن مساعيه الغر المحجلة وَيخرج من مكانته المكرمة المبجلة وَتبطل حُقُوقه الثَّابِتَة المسجلة
ثمَّ قَالَ فقد علم كل من نظر فِي التواريخ والْآثَار ونصحته بصيرته فِي التبصر وَالِاعْتِبَار أَن هَذَا الْبَيْت الْعَظِيم مَا زَالَ يرفع الأقدار الخاملة فينزون عَلَيْهِ بطرا فيغار الله لَهُ منتصرا ويعقبه عَلَيْهِم إظفارا وظفرا كدأب