المستطاب، والفصل الخطاب، فأورد طرباً وسروراً، وملأ القصور فرحاً وحبورا، فطربنا بوروده، وسكرنا بنغمة عوده.

فأخذ الحواس يبشر منها البعض الآخر، ويتصرف كل منها في حصته الأوفى والأوفر.

أما الحواس الظاهرة فالباصرة غدت ترتع في تلك الرياض، وتسبح في تلك الحياض. والسامعة تتشنف بقرطق تلك الألفاظ السحرية، والنسائم السحرية، واللامسة منها تقلب ذلك المنشور وتضعه تارة على العيون وأخرى على الصدور، والذائقة تمضغ تلك الألفاظ السكرية. والشامة تستنشق منها ريا ذلك الصاحب، ذي الأدي والمواهب.

وأما الحواس الباطنة فباتت متصرفة في مزاياه كل منها وظيفته المخصوصة، وحصته الحصيصة. فيا لها من نضرة، وجنة خضرة، تحير النواظر، وتجل عن النظائر. وتسلب المشاعر، وتبلد كل ناثر وشاعر. وتهيج الشجون، وتنتج الفنون، وتذهب بالعقول. وتذهب على المنقول. وتطرب السامع، وتزين المجامع. وتجل عن التشبيه، وتستغني عن التنبيه، وتصقل الأذهان، وتكمل العرفان.

فأيم الله لقد تاه الشعور، وكاد أن يفور، فأخذتها أخذ مشتاق منتظر، وعانقتها عناق عاشق حذر، فطفقت أتأمل في مزاياه.

وأطالع صوراً بهية من مراياه. فرأيتها أجل رتبة من أن تدرك، وأعسر طريق يسلك، فقلت يا للعشيرة، إنها والله روضة نضيرة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015