في هزيمته فمات عطشاً، وقام خالد في الناس خطيباً يرغبهم في بلاد العجم ويزهدهم في بلاد العرب، وقال: ألا ترون إلى الطعام كرفع التراب، وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله عزّ وجلّ والدعاء إليه ولم يكن إلا المعاش، لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونولي الجوعَ والإقلالَ من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه.

وسار خالد رضي الله عنه في الفلاحين بسيرة (?) فلم يقتلهم، وسبى عيالات المقاتلة ومن أعانهم، ودعا أهل الأرض إلى الجزي والذمة، فتراجعوا، وبارز خالداً يوم الولجة رجل من أهل فارس يعدل بألف رجل، فقتله خالد، فلما فرغ اتكأ عليه ودعا بغدائه؛ وقال خالد في يوم الولجة:

نهكناهم بها حتى استجاروا ... ولولا الله لم يرزوا قبالا

فولوا الله نعمته وقولوا ... ألا بالله نحتضر القتالا

ألا بالله قوتنا ونبرا ... من الحول المقدرة البسالا ونقارة (?) : في أرض السودان قريبة من غانة، وهي جزيرة طولها ثلثمائة ميل وعرضها مائة وخمسون ميلاً، والنيل يحيط بها من كل جهة في سائر السنة، فإذا كان شهر أغشت وحمي القيظ وخرج النبل وفاض، غطى هذه الجزيرة أو أكثرها وأقام عليها المدة التي عادته أن يقيم ثم يأخذ في الرجوع، فإذا انحدر رجع كل من في بلاد السودان المنحشرين إلى تلك الجهة يبحثون طول أيام رجوع النيل، فيجد كل إنسان منهم في بحثه هناك ما أعطاه الله تعالى قليلاً أو كثيراً من التبر، وما يخيب منهم أحد، فإذا عاد النيل إلى حدّه باع الناس ما حصل بأيديهم من التبر، وتاجر بعضهم بعضاً، واشترى أكثره أهل وارقلان وأهل المغرب الأقصى، فأخرجوه إلى دور السبك في بلادهم، فيضربونه دنانير ويتصرفون به في التجارات والبضائع وهكذا في كل سنة، وهو أكبر غلة عند السودان وعليها يعولون.

وفي أرض ونقارة بلاد معمورة ومعاقل مشهورة، وأهلها أغنياء، والتبر عندهم وبأيديهم كثير، والخيرات مجلوبة إليهم من أطراف الأرض وأقاصيها وهم سود جداً، ويزرعون الذرة، وبقربها غابات وحولها شجر التوت كثير وتين ونخل كثير.

الوعساء (?) :

أرض بحضرموت، قال الشاعر (?) :

أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم

وقش (?) :

قرية بثغر الأندلس، ينسب إليها أبو الوليد هشام ابن أحمد بن هشام بن خالد الكناني الوقشي (?) من أهل طليطلة، ولي قضاء طلبيرة وعني بالهندسة والمنطق، مليح النادرة ذكر أنه اختصم إليه رجلان فقال أحدهما: يا فقيه اشتريت من هذا اثتي عشر تيساً حاشاك فقال له: قل أحد عشر، توفي بدانية سنة تسع وثمانين وأربعمائة.

وقعة الحمار (?) :

موضع من عمل اشبيلية كانت فيه وقعة للمسلمين على النصارى، وذلك في سنة عشر وستمائة، اتفق الفنش صاحب قشتالة، وصاحب بلاد الجوف، على أن يخرجا بعسكريهما على بلاد الإسلام التي لا دافع عنها بجزيرة الأندلس بعد وقيعة العقاب، فأما صاحب بلاد الجوف فجاء في الشمال إلى عمل اشبيلية فاصطلم كل ما مرَّ عليه إلى أن انتهى إلى مرج الحمار، فخرج السيد أبو زكريا بن أبي حفص بن عبد المؤمن صاحب اشبيلية بعسكر الأندلس الوافر الذين لم تلحقهم معرّة العقاب في السنة الماضية فوعدهم ومناهم وأثار حفائظهم وزحف بهم إلى العدو فأعطاه الله تعالى النصر، فيقال إنهم قتلوا منهم نيفاً على عشرة آلاف، وامتلأت أيديهما مما كان في عسكرهم، وكانت وقيعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015