وأقام عنده، وأمر إسحاق قبيلته بطاعته وتعظيمه وكان ذلك في خلافة الرشيد، فوصله خبره فغمه ذلك، فقال له يحيى بن خالد: أنا أكفيك أمره فأرسل إلى سليمان بن جرير وكان من ربيعة يرى رأي الزيدية متعصباً لآل أبي طالب، وكان جلداً شجاعاً، وهو الذي جمع الرشيد بينه وبين هشام بن الحَكَم حين ناظره في أمر الإمامة في قصة طويلة، فرغبه يحيى بن خالد في المال، ووعده عن نفسه وعن الرشيد بمواعيد عظيمة، ودعاه إلى قتل ادريس والتلطف في أمره، فأجابه إلى ذلك، وأعطاه مالاً جزيلاً ودفع إليه قارورة فيها غالية مسمومة، ووجه معه رجلاً من ثقاته فتوغلا في البلاد حتى وصلا إلى ادريس، وكان ادريس عالماً برياسة سليمان في الزيدية، فلما وصل إليه قال له: إنما جئت بنفسي وحملتها على ما حملتها عليه لمذهبي فيكم أهلَ البيت. فجئتك لا من حاجة إليك إلا لأنصرك بنفسي فسر ادريس بقوله وقبله أحسن قبول، فأحسن نزله وأكرم مثواه وأنس به، فكان سليمان يجلس في مجالس من البربر ويظهر الدعاء إلى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتج لأهل البيت كاحتجاجه بالعراق وكان من شياطين الانس، فاعجب ذلك ادريس منه، ومكث عنده مدة وهو يطلب الغرة ويترصد الفرصة في أمره، حتى غاب راشد في بعض أمره، فدخل عليه سليمان ومعه القارورة، فلما انبسط إليه ادريس وأخلى له وجهه قال له سليمان: جعلني الله فداك، هذه القارورة فيها غالية رفيعة أوصلتها معي، وأعلم أنه ليس ببلدك طيب فجئتك بها، ووضعها بين يديه، ففتحها ادريس وشمها وتغلف بها، وقيل أخرج سكينة وقطع به تفاحة وأعطاه النصف الذي يلي الجهة المسمومة من السكين، ثم انصرف سليمان إلى صاحبه وقال: قد تمَّ مرادنا، وقد كانا أعدا فرسين مضمرين، فركباهما وخرجا يركضان يطلبان النجاة، فلما وصل السم إلى خياشم ادريس وتغلغل في دماغه سقط مغشياً عليه لا يعقل، ولا يدري من يختص به من أهله وحاشيته ما شأنه، فبعثوا إلى راشد فجاء مسرعاً، وتشاغل في معالجته، وقطع سليمان وصاحبه بلاداً في تلك المدة. قيل: فبقي إدريس في غشيته عامة نهاره وليلته تضرب عروقه حتى مات، فتبين لهم أمر سليمان بن جرير، فركب راشد في طلبه مع جماعة من أصحابه، فجد السير في طلبهما حتى لحقهما وحده، لأن فرسه كان ضمر أكثر من خيل أصحابه، فأدركهما فشد عليهما راشد، ففر صاحب سليمان، وضرب سليمان بالسيف ثلاث ضربات على وجهه ورأسه، كل ذلك لا يصيب مقتلاً، مع دفع سليمان عن

نفسه، وعجز فرس راشد عن ادراكه، فلما رجع عنه راشد نزل فعصب جراحه فسار حتى لحق بالمشرق فكان في المشرق مكتع اليد، ومات إدريس بوليلي سنة خمس وسبعين ومائة فكانت مدته ثلاثة أعوام وستة أشهر، فهذا كان السبب في دخول العلويين بلاد المغرب فيما زعموا.

الولجة (?) :

بالعراق مما يلي كسكر من البر، وكان فتحها على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه سنة اثنتي عشرة.

قالوا (?) : لمّا وقع الخبر إلى ازدشير بمصاب قارن وأهل المذار أرسل الأندرزغر، وكان فارسياً من مولدي السواد وتنّائهم، ولم يكن ممن وُلِد في المدائن ولا نشأ بها، وأرسل بهمن جاذويه في أثره في جيش، وأمره بغير طريق الاندرزغر، فقال أهل فارس ومولدو أهل المدائن هجاء للاندرزغر بالفارسية، وتفسير ذلك: لا يعود الخل عسلاً ولا السوادي فارساً، فأجابهم بالفارسية: لا يلفى الفارسي إلا صلفاً. وكان الأندرزغر قبل ذلك على خرج (?) خراسان، الأندرزغر سائراً من المدائن حتى أتى كسكر ثم جازها إلى الولجة، وخرج بهمن جاذويه في أثره وأخذ غير طريقه، فسلك وسط السواد، وقد حشر إلى الأندرزغر من بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية والدهاقين فعسكروا إلى جنب عسكره بالولجة، فلما اجتمع له ما أراد واستتم له أعجبه ما هو فيه، فأجمع السير إلى خالد، ولمّا بلغ خالداً وهو بالثني خبر الاْندرزغر ونزوله الولجة نادى بالرحيل، وخلّف سويد بن مقرن وأمره بلزوم الحفير، وتقدم إلى من خلف على أسفل دجلة وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة وترْك الاغترار، وخرج سائراً في الجنود نحو الولجة حتى ينزل على الأندرزغر وجنوده ومن تأشب إليه، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ (?) ورفع النصر، واستبطا خالد كمينه وكان قد وضع لهم كميناً في ناحيتين عليهم بسر بن أبي رهم وسعيد ابن مرة العجلي، فخرج الكمين من وجهين، فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا، وأخذهم خالد من بين أيديهم، والكمين من خلفهم، فم يرَ رجل منهم مقتل صاحبه، ومضى الأندرزغر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015