عبشان من خزاعة، وقريش إذ ذاك حلول وصرم وبيوت متفرقة في قومهم من بني كنانة.
وانهدم البيت بعد بناء إبراهيم عليه السلام، فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبناه قصي وهدمه هو وبناه بناء لم يبن أحد ممن بناه مثله، وسقف الكعبة بخشب الروم الجيد وجريد النخل، وبناها على خمس وعشرين ذراعاً.
قالوا: ومما رجت به قريش أن الله عز وجل قد رضي ما كانوا أجمعوا عليه من هدم الكعبة أن حية كانت في بئر الكعبة التي كانت تطرح فيها ما كان يهدى إليها، فجاءت عقاب فاختطفتها.
ولما احترقت (?) الكعبة واحترق الركن الأسود فتصدع حتى شده ابن الزبير بالفضة، ضعفت جدران الكعبة، حتى إن الحمام ليقع عليها فتتناثر حجارتها، ففزع لذلك أهل مكة وأهل الشام جميعاً والحصين بن نمير معهم يحاصرها، فأرسل ابن الزبير رجالاً من أهل مكة إلى الحصين فكلموه وعظموا عليه ما أصاب الكعبة وقالوا: إنكم رميتموها بالنفط، فأنكر ذلك، وقالوا له: قد توفي يزيد بن معاوية فعلام تقاتل؟ ارجع إلى الشام حتى تنظر هل يجتمع الناس على صاحبك، يعنون معاوية بن يزيد، فلم يزالوا به حتى لان لهم ورجع إلى الشام، ثم دعا ابن الزبير وجوه الناس فاستشارهم في هدم الكعبة، فأشار عليه أقلهم بهدمها وأبى أكثرهم وكان أشدهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال له: دعها على ما أقرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، ولا تزال تبنى وتهدم فيتهاون بحرمتها، ولكن ارفعها فقال ابن الزبير رضي الله عنهما: والله ما يرضى أحدكم أن يرفع بيت أبيه وأمه، فكيف أرفع بيت الله، وأنا أنظر إليه ينقض من أعلاه إلى أسفله حتى إن الحمام يقع عليه فتتناثر حجارته؟! وكان ممن أشار عليه بهدمها جابر بن عبد الله وغيره رضي الله عنهم، وأقام أياماً يشاور وينظر، ثم أجمع على هدمها، وكان يحب أن يكون هو الذي يردها، على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، على قواعد إبراهيم عليه السلام، وعلى ما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، وأراد أن يبنيها بالورس، ويرسل إلى اليمن في ورس يشترى له، فقيل له: إن الورس يذهب (?) ولكن ابنها بالفضة، فأخبر أن فضة صنعاء أجود الفضة، فأرسل إلى صنعاء بأربعمائة دينار ليشترى له بها فضة ويكترى عليها، ثم سأل رجالاً من أهل العلم بمكة: من أين أخذت قريش حجارتها، فأخبروه بقلعتها فنقل له من الحجارة ما يحتاج إليه، فلما أراد هدمها خرج أهل مكة منها إلى منى فأقاموا بها ثلاثاً فرقاً أن ينزل عليهم عذاب، فأمر ابن الزبير بهدمها فما اجترأ على ذلك أحد، فلما رأى ذلك علاها بنفسه وأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمي بحجارتها، فلما رأوا أنه لم يصب بشيء اجترءوا فصعدوا وهدموا، وأرقى ابن الزبير رضي الله عنهما عبيداً من الحبش يهدمون رجاء أن يكون فيهم صفة الحبشي الذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرب الكعبة ذو السوبقتين من الحبشة.
وقال ابن الزبير (?) رضي الله عنهما: أشهد لقد سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قومك استقصروا في بناء الكعبة وعجزت بهم النفقة فتركوا في الحجر أذرعاً، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر لهدمت الكعبة وأعدت ما تركوا منها، ولجعلت لها بابين موضوعين بالأرض: باباً شرقياً يدخل منه الناس، وباباً غربياً يخرج منه الناس، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها "؟ قالت، قلت: لا، قال: " تعززاً لئلا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها يدعوه يرتقي، حتى إذا كاد يدخل دفعوه فيسقط، فان بدا لقومك هدمها فهلمي لأريك ما تركوا من الحجر منها، فأراها قريباً من سبع أذرع ".
فلما هدمها (?) ابن الزبير وسواها بالأرض وكشف عن أساس إبراهيم عليه السلام وجد داخلاً إلى الحجر نحواً من ست أذرع وشبر كأنها أعناق الإبل آخذ بعضها ببعض، كتشبيك الأصابع، يحرك الحجر من القواعد فتتحرك الأركان كلها، فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً من وجوه الناس وأشرافهم فأشهدهم على ذلك الأساس، وأدخل رجل من القوم كان يقال له عبد الله بن مطيع العدوي عتلة كانت في يده في ركن من أركان البيت، فتزعزعت الأركان كلها جميعاً، ويقال إن مكة رجفت رجفة شديدة حين تزعزع الأساس، وخاف الناس خوفاً شديداً حتى ندم كل من