ونزل الططر عليها سنة ثمان عشرة وستمائة، فاستعد لهم أهلها، وهم خلق مشهورون بالشجاعة واقتناء العدد، فهابهم الططر وراسلوا سلطان الران، فحمل لهم أموالاً وهدايا فعدلوا عنه.
قال الله تعالى " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس " وهو البيت الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً ".
قال وهب بن منبه (?) : لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام إلى الأرض حزن واشتد بكاؤه على الجنة، فعزاه الله تعالى بخيمة من خيام الجنة، فوضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وكانت الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة، فيها قناديل من ذهب، ونزل معها الركن، وهو ياقوته بيضاء، وكان كرسياً لآدم عليه السلام يجلس عليه، فلما كان الغرق زمن نوح عليه السلام رفع ومكثت الكعبة خراباً ألفي سنة، حتى أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يبني بيته فجاءته السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم له وجه كوجه الإنسان، فقالت: يا إبراهيم، خذ ظلي فابن عليه، فبنى هو وإسماعيل عليهما السلام البيت ولم يجعل له سقفاً، وحرس الله تعالى البيت بالملائكة، فالحرم مقام الملائكة يومئذ، ولم تزل خيمة آدم عليه السلام إلى أن قبض ثم رفعها الله إليه، وبنى بنو آدم بعده في موضعها بيتاً من الطين والحجارة ثم نسفه الغرق فعمي مكانه حتى بعث الله إبراهيم عليه السلام وحفر عن قواعده وبناه على ظل الغمامة، فهو أول بيت وضع للناس وبنته قريش قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.
قال أبو عبيدة: مما أراد الله عز وجل به تكرمة قريش أن الكعبة كانت وقعت حين غرق قوم نوح عليه السلام فأمر الله تعالى إبراهيم خليله وإسماعيل نبيه عليهما الصلاة والسلام أن يعيدا بناء الكعبة على أسه الأول، فأعادا بناءها لما أراد الله تعالى من تكرمة قريش، كما أنزل الله تعالى في القرآن فقال عز وجل " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "، ثم أمر الله سبحانه إبراهيم عليه السلام أن ينزل ابنه إسماعيل بالبيت لما أراد من كرامة قريش ففعل، فهو قوله " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم " فكان إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام يبنيان البيت بعد عهد نوح عليه السلام، ومكة يومئذ بلاقع، كما قال تعالى " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود "، فنكح إسماعيل امرأة من جرهم، وفي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي:
وصاهرنا من أكرم الناس والداً ... فأبناؤه منا ونحن الأصاهر فولي البيت بعد إبراهيم ابنه إسماعيل عليهما السلام، ثم وليه بعده ابنه نابت بن إسماعيل، أمه جرهمية، ثم وليه بعده مضاض بن عمرو، وفي ذلك قال:
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر وجرهم وقطورا يومئذ أهل مكة، وهما أخوان، ورئيس قطورا السميدع، ورئيس جرهم مضاض، ومنزل جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز، ومنزل قطورا أسفل مكة بأجياد فما حاز، فكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها، ومضاض يعشر من دخلها من أعلاها، ثم بغى بعضهما على بعض وتنافسا الملك، ومع مضاض بنو اسماعيل، وإليه ولاية البيت دون السميدع، ثم اقتتلوا قتالاً شديداً فقتل السميدع وفضحت قطورا، ثم اصطلحوا وأسلموا الأمر إلى مضاض، فبقيت جرهم ولاة البيت نحو ثلثمائة سنة، ثم أنهم بغوا بمكة واستحلوا حرمتها وظلموا من دخلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها، ولم يتناهوا حتى جعل الرجل منهم إذا لم يجد مكاناً يزني فيه دخل الكعبة فزنى بها، فزعموا أن إسافاً بغى بنائلة في جوف الكعبة فمسخا حجرين، وهو اساف بن سهل (?) ونائلة بنت عمرو بن ذؤيب (?) . وكان ماء زمزم قد نضب لما أحدثت جرهم بمكة، حتى امحى مكان البئر ودرس، ثم جاء عمرو بن لحي فغير دين إبراهيم عليه السلام وبدله، وبعث العرب على عبادة التماثيل، وعمر خمساً وأربعين وثلثمائة سنة، وكان له من الولد وولد الولد ألف، ثم وليت البيت