إلى الليل، ثم توجه في ثاني يوم الفتح إلى قابس فأحدق المقاتلون براً وبحراً ففتحوا أبوابهم مستسلمين، فقبل المنصور ذلك منهم وأسلموا أصحاب قراقش وشيعته وكان اتخذها حصناً وشحنها بشيعته وأصحابه، فبعث بهم إلى تونس في البحر وبعث إلى أهل قابس مَن وبخهم على اتباع كل ناعق، ثم انحفز إلى توزر فأعلنوا بالتوحيد، وفي فتح الحمة يقول أبو بكر بن مجبر من قصيدة له أولها:
أسائلكم لمن جيش لهام ... طلائعه الملائكة الكرامُ يقول فيها:
لقد برزت إلى هول المنايا ... وجوه كان يحجبها اللثام
وما أغنت قسي الغز عنها ... فليست تدفع القدر السهام
متى يك من ذوي الكفر اعتداء ... يكن من فرقة التقوى انتقام
قرية من قرى الشام بين الرملة وبيت المقدس، وإليها ينسب الطاعون (?) لأن منها بدأ فيقال طاعون عمواس، مات فيه خمسة وعشرون ألفاً، فيهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، واسمه عامر، وهو من عظماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: " لكل أمّة أمين، وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجراح ". ومات فيه الحارث بن هشام وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم، وكان هذا الطاعون سنة ثمان عشرة، وقيل سنة تسع عشرة، وكثر عدد من مات بعمواس حتى خرج عن الإحصاء، وعلّق عمرو بن العاصي رضي الله عنه بعمود خبائه سبعين سيفاً كلها ورثه عن كلالة عام طاعون عمواس، ولم يكن أحد يقول لأحد: كيف أصبحت وكيف أمسيت، حتى كثر فيهم الموت.
قالوا: سجن سليمان بن داود عليهما السلام شيطاناً بعمواس، فإذا أراد الله تعالى أن يأذن له بالخروج خرج فيقع على جارية ترعى الضأن لأهلها فتحمل منه، فإذا وضعت حملها طرحته في جزيرة من جزائر البحر، فيبعثه الله تعالى من قصبة فيها ستمائة ألف ملك مختلفين، فيشب في اليوم مثل ما يشب الغلام في الشهر، ويشب في الشهر مثل ما يشب الغلام في السنة، فإذا كبر اجتمعوا عليه فملَّكُوه، فهو الذي يسير بهم إلى الشام، وهو الذي يقبل من المغرب، وهو الذي يدعى ابن حمل الضأن.
موضع بينه وبين مدينة القلزم ثلاثة أميال، بالقرب منه عين يجري منها القار اللين الفوّاح كأجود الزفت أبداً.
بالأندلس بقرب مرسية، فيها كانت وقيعة الروم على أهل مرسية سنة 621 في رجبها، ذهب فيها من أهل مرسية بين قتيل وأسير نحو من أربعة آلاف رجُل، وكان الروم أغاروا على تلك الجهة فخرج إليهم أهل مرسية، وكانوا عابوا على أهل اشبيلية مثلها حين وقعت عليهم الهزيمة بفحص طلياطة، ونسبوهم إلى الضعف والخور وقلة الدربة بالحروب، فلم تمض الأيام حتى امتحنهم الله تعالى بهذه الوقيعة. وكان صاحب الجيش في هذا اليوم أبو علي ابن أشرقي، قال صاحب " الملتمس " (?) : كائنة عفص هي أخت كائنة طلياطة المتقدمة في سنة إحدى وعشرين وستمائة، كانت هذه في غرب الأندلس وهذه في شرقها، وكان عباد الصليب قد وصلوا إلى عفص من عمل مرسية فخرج عسكر مرسية ومعهم العامة، فقتل منهم كثير وأسر أكثر، وفيها يقول أحد المرسيين:
بوقعة عفص وطلياطة ... تكامل إقبال أيامنا
فبالغرب تلك وبالشرق ذي ... أناخا على شمِ أعلامنا
وفي وسط الأرض قيجاطة (?) ... ولوشة خفَّا بأحلامنا
وليس الصليب يرى مانعاً ... لغيرِ تواتر إعدامنا