حتى ذلت عمورية وما دونها من مدائن صاحبة الروم على أداء الجزية وإنزال جماعة من المسلمين مدينة عمورية يقاتلون من خلفها فلم يزل المسلمون بها حتى بلغ أهل عمورية قتل عثمان رضي الله عنه قبل أن يبلغ من كان بها من المسلمين فبيّتوا المسلمين فقتلوهم على فرشهم، وانتقض ذلك الصلح وغزاها المعتصم الخليفة العباسي وافتتحها في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين بسبب أن الروم خرجت إلى زبطرة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها وأمر ببناء زبطرة وشحنها، وقد تقدم ذكر ذلك في حرف الزاي، وفي قصيدة حبيب المشهورة:
يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... منك المنى حفلاً معسولة الشنب وفي بعض الأخبار أنه نصب على عمورية المجانيق، وأقام عليها حتى فتحها ودخلها فقتل فيها ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم وكان في سلبه ستون بطريقاً، وطرح النار في عمورية من سائر نواحيها فأحرقها، وجاء ببابها إلى العراق فنصبه على أحد أبواب دار الخلافة قال سليمان بن يحيى: كنت أنا ويحيى بن أكثم نسير مع المعتصم وهو يريد بلاد الروم فمررنا براهب فوقفنا عليه، فقلنا: أيها الراهب أترى هذا الملك يدخل عمورية. قال: لا إنما يدخلها ملك أكثر أصحابه أولاد زنا فأتينا المعتصم فأخبرناه فقال: أنا والله صاحبها أكثر جندي أتراك وهم أولاد زنا.
هي فحص بأحواز قفصة كانت فيه وقيعة عظيمة (?) في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة للموارقة والأغزاز على جند المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب وكان الظهور فيها للموارقة والأغزاز فتبدد جند المنصور في تلك الفحوص وانهزموا هزيمة شنيعة، وكان ذلك السبب في تحرك المنصور بنفسه إلى قفصة ونزوله عليها وسوء أثره فيها وذلك أن المنصور يعقوب كان وجه يعقوب ابن عمه أبي حفص بن عبد المؤمن في عسكر فخرج من تونس في جمع حفيل وصمد إلى الموارقة، ولما تراءى الجمعان وذلك يوم الجمعة منتصف ربيع الآخر من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بوطاة عمرة خارج قفصة، دفع علي بن الربرتير في أهل الحد من أصحابه فرشقوهم بالسهام، وأرجل علي وقبض عليه، وكثر الطعن والضرب في أصحابه واقتفى أثره أبو علي بن أبي زكريا بن مومور (?) ، فحصل بالعرب فنكلوا عنه وخلوا بينه وبين عدوه فقبض عليه بعد الإثخان (?) فيه، وكشفت الحرب عن ساقها واستحر القتل في الفئتين، وأصيب جملة من أعيان الموحدين وتخاذل باقيهم (?) ، وعظم الكرب وغشي الليل فتفرق الناس واستسلموا واشتغل عدوهم بالسلب وأكثر الرجال مثخنون في المعترك، وتحاملوا مع ذلك إلى قفصة مفلوين، فاستدعاهم ابن غانية موهماً لهم بالأمان فاجتمعوا إليه فاستأصلهم وجلس في خباء الساقة المأخوذ للسيد وجمع أثاث المنهزمين وأسبابهم وقسمها على أصحابه. وكان ابن الربرتير في أسر الأغزاز أصحاب قراقش فابتاعه منه ابن غانية بألفي دينار فعذبه حتى مات. ووصل أيضاً ابن مومور مثخناً فصلبوه بقفصة. وأصبح الفل من يوم الجمعة بأقطار تونس، وبادر إلى تونس سرعان المنهزمة، وكثر التحدت وفشت الأنباء، فضاق لذلك صدر المنصور، وأعلن بالصفح في المنهزمين، وسرح - أعيان الطلبة إلى المنهزمين بتهوين الخطب، ثم استبد بأمره ونكب عن المشورة، وتحرك بنفسه من تونس في صدر رجب هذه السنة، واستخلف على تونس أخاه السيد أبا إسحاق، ونزل على سبعة أميال متلوماً على الناس، وقد ظهر تكاملهم وتأخر إبراهيم الغزي بجماعته. وأمر باعتقاله ونادَى في الناس بمعاجلة العقاب لمن جن عليه الليل بالمدينة، فخرج الناس وانتهى المشي إلى القيروان، فاخترق سككها وأتى الجامع فصلى بمقصورته ركعتين، وقرأ في مصحف عبد الله بن عمر الذي بها، وتطوف على مقابر الأئمة بها، ونظر إلى ماجلها، فأمر القبائل برفع ترابه فصوب له أهل البلد تركه خوفاً من طلب العرب له عند يبس الهواء فتركه، ثم استقبل عدوه، فلما تراءىَ الجمعان على فرسخين من الحمة سرح سرية إلى مواضع العرب الموالين للموارقة فشنوا الغارة عليهم مع الصباح واكتسحوهم وساقوا أموالهم ثم قفلوا وبلغ العرب الذين مع الموارقة ما حل بأحيائهم فارفضّت جموعهم وتضعضعت محلة الموارقة بسبب ذلك ثم لبس لامته وناجز أعداءه وباشر الحرب بنفسه، والتحم القتال، فاستؤصلت الموارقة وأفلت قراقش وابن غانية واتبعهم السيف