ابن عباد باشبيلية في سنة تسع وسبعين وأربعمائة، فأخلف الله ظنه وعكس عليه أمله، وكان ما كان في الزلاقة من نصر الله تعالى للمسلمين والفتح لهم فله الحمد، وقد مرَّ ذلك في رسم الزلاقة. ومن كلام عامة اشبيلية: " يفتك وطريانة تؤدي الجعل ".
مدينة بثغر الأندلس، بناها الأمير محمد بن عبد الرحمن منها أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى المعافري الطلمنكي المقرئ (?) ، وبينها وبين وادي الحجارة عشرون ميلاً.
بالأندلس بينها وبين البرج المعروف بوادي الحجارة خمسة وستون ميلاً، وهي مركز لجميع بلاد الأندلس لأن منها إلى قرطبة تسع مراحل، ومنها إلى بلنسية تسع مراحل أيضاً، ومنها إلى المرية في البحر الشامي تسع مراحل أيضاً.
وطليطلة (?) عظيمة القطر كثيرة البشر، وهي كانت دار الملك بالأندلس حين دخلها طارق، وهي حصينة لها أسوار حسنة وقصبة حصينة، وهي أزلية من بناء العمالقة، وهي على ضفة النهر الكبير، وقلما يرى مثلها إتقاناً وشماخة بنيان، وهي عالية القدر حسنة البقعة، ولها قنطرة من عجائب البنيان، وهي قوس واحدة، والماء يدخل تحتها بعنف وشدة جري، ومع آخر (?) النهر ناعورة ارتفاعها في الجو تسعون ذراعاً وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة، ويجري الماء على ظهرها فيدخل المدينة.
وكانت طليطلة دار مملكة الروم، وكان بطليطلة بيت مغلق متحامى الفتح على الأيام، عليه عدة من الأقفال، يلزمه قوم من ثقات القوط قد وكلوا به لئلا يفتح، قد عهد الأول في ذلك إلى الآخر، فلما قعد لذريق ملكاً أتاه أولئك الموكلون بالبيت يسألونه أن يقفل على الباب فقال: لا أفعل حتى أعلم ما فيه ولا بد لي من فتحه، فقالوا: أيها الملك إنه لم يفعل هذا أحد قبلك، فلم يلتفت إليهم ومضى إلى البيت، فأعظمت ذلك العجم، وضرع له أكابرهم، فلم يفعل، وظن أنه بيت مال قد اختزنته الملوك، ففض الأقفال عنه ودخل، فأصابه فارغاً لا شيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً ليس فيه إلا شقة مدرجة صورت فيها صور العرب، عليهم العمائم وتحتهم الخيول العراب متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها أسطر مكتوبة بالعجمية، قرئت فإذا فيها: إذا كسرت الأقفال عن هذا البيت، وفتح هذا البيت فظهر ما فيه من هذه الصور، فإن هذه الأمة المصورة في هذه الشقة تدخل الأندلس فتغلب عليها وتملكها، فوجم لفريق وندم على ما فعل وعظم غمه وغم العجم لذلك، وأمر بردّ الأقفال وإقرار الحراس وأخذ في تدبير ملكه وذهل عما أنذر به، إلى أن كان من أمر يليان عامل لذريق على سبتة وأمر ابنته في الخبر المشهور ما سبب إثارة عزمه على إدخاله العرب إلى الأندلس، إلى أن كان ذلك وسبب الله فتحها بسبب ذلك، وما بعد ذلك يذكر في غير هذا المكان.
ووجد (?) أهل الإسلام فيها ذخائر عند افتتاح الأندلس كادت تفوت الوصف كثرة، فمنها مائة وسبعون تاجاً من الذهب مرصعة بالدر، وأصناف الحجارة الثمينة، ووجد فيها ألف سيف مجوهر ملوكي، ووجد بها من الدر والياقوت أكيال وأوساق، ومن آنية الذهب والفضة وأنواعها ما لا يحيط به وصف، ووجد بها مائدة سليمان بن داود عليهما السلام، وكانت فيما يذكر من زمردة وهذه المائدة اليوم بمدينة رومة.
وزعم رواة العجم أنها لم تكن لسليمان عليه السلام، قالوا: وإنما أصلها أن العجم في أيام ملكهم كان أهل الحسبة في دينهم إذا مات أحدهم أوصى بمال للكنائس، فإذا اجتمع عندهم ذلك المال صاغوا منه آلات من الموائد والكراسي وغيرها، من الذهب والفضة، يحمل الشمامسة والقسوس فوقها مصاحف الأناجيل إذا أبرزت في أيام المناسك، ويضعونها على المذابح في الأعياد للمباهاة بزينتها، فكانت تلك المائدة بطليطلة مما صنع في هذه السبيل، وبالغت الأملاك في تحسينها، يزيد الآخر منهم فيها على الأول، حتى برزت على جميع ما اتخذ من تلك الآلات وطار الذكر بها كل مطار، وكانت مصوغة من خالص الذهب