ومملكة الصين أعظم ممالك تلك الناحية وأكثرها جنداً وأموالاً، وبلاد الصين واسعة، والغالب على أهلها استدارة الوجوه وفطس الأنوف، ولباس (?) رجالهم ونسائهم الديباج والحرير المرتفع، ولباس إمائهم وسفلتهم الحرير الدون، ودورهم واسعة مزوقة المجالس بالتماثيل، وهم يتباهون بنظافة الثياب ونبل الدور وكثرة الأواني، وإذا ورد على ملكهم رسول من بعض الملوك أدخل عليه في الوقت الذي يأذن له، فيقف أحد وزرائه عن يمينه والآخر عن يساره، ويقف الرسول بالبعد منه، على حسب مرتبة مرسله، ولا يرفع رأسه حتى يؤمر بذلك، ثم يتقدم إلى الحاجب أو الوزير فيخبره عما وجه إليه، فيأمر الملك له بتخت ديباج وجام فضة مذهبة، ويعاد به كل يوم إلى دار الملك ليتغدى هناك، وإذا أراد الملك النوم أو الدخول على بعض جواريه صعد منجموه سطح البيت الذي هو فيه ورصدوا له الكواكب، واختاروا له وقت مباشرته إياهن.
ومن سيرهم (?) أن المرأة إذا لم تكن محصنة وأرادت الفجور رفعت رقعة إلى الملك تذكر حالها وما ذهبت إليه، فيبعث إليها حلقاً من نحاس فتجعله في عنقها، ولبست المصبغات، وعملت ما شاءت علانية، فإذا ولدت الذكور خصوا واستعملهم الملك في داره وأعماله، وإن كان الذي ولدت أنثى كانت على رسم أمها، ومن سنتهم أن يورثوا الإناث أكثر من الذكور ولهم عند حلول الشمس بالحمل عيد معظم يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام.
وبلاد الصين تجاور بلاد البرغز، فيها ملوك من ملوك الصين لهم أجناد وعدد وأموال طائلة، وحزم وجلادة على مكايدة الترك وغزوهم ومنعهم من أذية ديارهم. وأهل هذه الجهة من الصينيين زيهم زي الأتراك في اللباس والمركوب والآلات والحروب، وعندهم الفيلة يقدمون بها في صدور مراكبهم، والأتراك يهابون سطوتهم ويخافون شوكتهم، فيمسكون عن أذية بلادهم، ويحملون إلى الصين كثيراً مما عندهم من الصناعات والتمر والعسل وكثيراً من السلاح والشكة مثل الدروع والجواشن والأتراس والمقامع والنشاب والسكر ونحو ذلك مما يحتاجون إليه وأهل الصين يهادنونهم بسبب ذلك، ويترفعون عن غزوهم، ولكنهم غير متغافلين في جانبهم.
قالوا (?) : وفي أقاصي بلاد الصين هيكل مدور له سبعة أبواب، في داخله قبة عظيمة الشأن، في أعلاها جوهرة أكبر من رأس العجل، تضيء منها جميع أقطار ذلك المكان، وقد رام جماعة من الملوك أخذها فلم يدن أحد منها على عشرة أذرع إلا مات، وإن رام أخذها بشيء من الآلات الطوال إذا بلغ ذلك المقدار انعكس، فليس يتأتى تناولها بشيء ولا سبب، وإن تعرض أحد لهدم شيء من الهيكل مات مكانه بقوة دافعة منفرة قد عملت من أنواع الأحجار المغنيطسية. وفي هذا الهيكل بئر مسبعة الرأس متى أكب امرؤ على رأسها تهور، وصار في قرارها على رأسه، وعلى البئر شبه الطوق مكتوب عليه، بقلم قديم، قلم السندهند (?) : هذي البئر تؤدي إلى مخزن الكتب الأول من تاريخ الدنيا وعلوم السماء، وما كان فيما مضى وما يكون فيما يأتي، وتؤدي هذه البئر إلى خزائن وغرائب هذا العالم، لا يصل إلى الدخول إليها والاقتباس مما فيها إلا من وازت قدرته قدرتنا وساوى معلومه علمنا. وإن وقع البصر على هذا الهيكل وقع في قلب الرائي له جزع منه وحنين إليه مختلطان، وهو على جبل شامخ صلد لا يتأتى فيه نفوذ ولا حفر البتة.
والثمار كلها في الصين إلا النخل.
وهم من أحذق (?) عباد الله تعالى كسباً وصناعة ومما أعانهم على ذلك أن الملك إذا أوتي بمعجزة من الصناعات والرقوم والنقوش وضعه على باب دار مملكته حولاً، فإن ذكر أحد فيه عيباً يتبين وصل وحرم الصانع، وإلا أجزلت صلة الصانع، وإن رجلاً منهم صور سنبلة سقط عليها عصفور في ثوب حرير لا يشك الناظر أنها سنبلة سقط عليها عصفور، فبقي الثوب مدة حتى اجتاز به رجل أحدب فعابها، وأدخل على الملك وحضر صانعها، فسئل عن العيب فقال: إنه لا يقع عصفور على سنبلة إلا أمالها، وهذه منتصبة قائمة، فصدق ولم يثب الصانع شيئاً، وقصدهم في هذا وشبهه الرياضة.
وليس للجاني عندهم إلا القتل إلا جناية قذف، فإنه من قذف إنساناً ضرب بالخشبة ضرباً مبرحاً وخلي سبيله.