يلقحن من شجر عندهن يأكلن منه. ويذكر أن الذهب عندهن عروق مثل الخيزران، وأنه وقع إليهن رجل فهممن بقتله فرحمته امرأة منهن وحملته على خشبة في البحر، فأدارته الأمواج حتى أتت به بعض بلاد الصين، فوصل إلى ملك الصين وعرفه حال الجزيرة، فجهز إليها المراكب، فأقاموا يطوفون في البحر ثلاثة أعوام يطلبونها فلم يقفوا لها على أثر.

وأهل الصين (?) شعوب وقبائل كقبائل العرب وأفخاذها وتشعبها في أنسابها، ولهم مراعاة لذلك وحفظ له، وينتسب الرجل منهم إلى خمسين أباً إلى أن يتصل بعامور، وأكثر من ذلك وأقل، ولا يتزوج أهل كل فخذ من فخذه، مثل أن يكون الرجل من مضر ويتزوج في ربيعة، ومن ربيعة فيتزوج من مضر، ومن كهلان فيتزوج في حمير، ومن حمير فيتزوج في كهلان، ويزعمون أن في ذلك صحة النسل وقوام البنية وان ذلك أصح للبقاء وأتم للعمر. ولم تزل أمور الصين مستقيمة في العدل، على حسب ما جرى، به الأمر فيما سلف من ملوكهم، إلى سنة أربع وستين ومائتين، فإنه حدث في الملك أمر زال به النظام وانتقضت به أحكام الشرائع، وهو أن نابغاً نبغ فيهم من غير بيت الملك كان في بعض مدن الصين، يقال له باشموا (?) ، اجتمع إليه أهل الدعارة والشر، ولحق الملك وأرباب التدبير غفلة عنه لخمول ذكره، وأنه ممن لا يبالى به، فاشتد أمره وكثر عتوه وقويت شوكته، وقطع أهل الشر المسافات نحوه، فعظم جيشه، فشن الغارات على العمائر حتى نزل مدينة خانقو (?) ، وهي مدينة عظيمة، وقد تقدم ذكرها وذكر هذا الثائر ونزوله على خانقو وأخذه لها واستباحته لحريمها في حرف الخاء.

وأبواب الصين اثنا عشر باباً، وهي جبال في البحر، بين كل جبل فرجة يسار منها إلى موضع تصيبه من مدائن الصين، وتصعد المراكب في مدائن الصين الشهر والأكثر والأقل، بين جنات وغياض وناس لهم أموال زاكية وأغنام ومياه، والمد والجزر يدخلانها من البحر كل يوم وليلة مرتين، وفي هذه المرافئ أسواق وتجار، ودخل وخرج ومراكب وبضائع تحمل وأخرى تجيء، وبها الأمن المتصل، وفي ملوكها العدل، وهي سنتهم وعليه يعولون، وبذلك اتصلت عمارتهم وحسنت في بلادهم، وقل جزعهم وعظم أمنهم، واتسعت أيديهم في الأموال.

وأهل الهند والصين يقتلون السارق، ويؤدون الأمانة، وينصفون من أنفسهم من غير احتياج إلى حاكم أو مصلح، طبعاً وسجية.

وفي بحر الصين دابة لها جناحان تنشرهما في الجو، تحمل على المراكب فتقلبها، يكون طول الدابة مائة ذراع ونحوها، وإذا رأى أهل المراكب هذه الدابة ضربوا الخشب بعضه ببعض فتنفر منها تلك الدابة وتخرج لهم عن الطريق، وقد قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الدابة سمكة صغيرة إذا رأتها هذه الدابة الكبيرة نفرت منها، فمرت على وجهها فلا يستقر بها مكان من البحر ما دامت السمكة تتبعها.

ولملك الصين (?) أربعمائة ألف مرتزق، وهو لا يكاد يبدو لأحد، ولا يصل إليه إلا وزيره أو حاجبه أو رسول ملك يرد عليه، ووجوه عسكره ورؤساء أصحابه يصلون إليه في كل أسبوع، فإن تعذر ذلك عليهم أكثر من هذه المدة ضجوا وسألوا الوصول إليه كيلا يكون قد مات وأخفي ذلك عنهم. وإذا أراد الملك أن يركب ضرب بجرس فيدخل الناس منازلهم ويخلون الطرقات.

وسميت الصين (?) بأول من نزلها، وهو صائن بن عامور بن يافث، وهو الذي أثار المعادن من الذهب، وعمل الحكمة ودقائق الصناعات، وملكهم أزيد من مائتي سنة، فلما مات جعلوا جسده في تمثال ذهب، وأقاموا يطوفون به على سرير من ذهب، فصار ذلك رسماً لكل من ملك منهم، فالملك منهم إذا مات أدخلوه في تمثال ذهب، وأجلسوه على سرير ذهب مرصع بالجوهر، وبنوا له هيكلاً يكون فيه، فيسجدون له، واتخذ لهم بعض ملوكهم سياسة شرعية وفرائض عقلية، وجعلها رباطاً، ورتب لهم قصاصاً وحدوداً ومستحلات للمناكح، وصلوات تقرب إلى معبودهم، إنما لا سجود فيها، وأمرهم بقرابين للهياكل ودخن وأبخرة للكواكب، فهم باقون على ذلك، وملة الصين تدعى السمنية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015