وبجزيرة صقلية آبار ثلاث عند قلعة مينا (?) من إقليم سرقوسة يخرج منها في وقت معلوم من السنة زيت النفط وذلك في شهر شباط وشهرين (?) بعده، وينزل من البر عليه على درك ويرقى على درك آخر، ويخمر الذي يدخل البئر رأسه ويسد مسام أنفه، وإن تنفس في أسفل البئر هلك من ساعته، وما أخرج منه وضع في قصار يعلو الدهن منه.
وفي بعض التواريخ أن جزيرة صقلية كان يسكنها في قديم الزمان أمة مهملة كانت تأكل الناس، ويقال إنه كان فيها جنس من المسوخ بعين واحدة (?) .
وفي السنة التي بويع فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه سار قسطنطين بن هرقل في ألفي (?) مركب يريد بلاد المسلمين، فسلط الله تعالى عليه عاصفاً من الريح فغرقها ونجا قسطنطين فلجأ إلى صقلية، فصنعوا له حماماً ودخله فقتلوه فيه. وبمدينة صقلية نهران مطردان من عين واحدة.
وكان بجزيرة صقلية ملوك وقواد وجيوش للمسلمين ورؤساء وعلماء وصالحون، فصنف ابن القطاع " الدرة الخطيرة في محاسن الجزيرة " ذكر فيها شعراءها وجملة من رجالها، وكان تغلب العدو عليها في سنة أربعين - أو ستين على الرواية الأخرى - وأربعمائة، وممن بكاها عبد الجبار بن حمديس الشاعر في قصيدته المشهورة التي أولها:
قضت في الصبا النفس أوطارها ... وأبلغها الشيب إنذارها
نعم وأجيلت قداح الهوى ... عليها فقسمن أعشارها يقول في آخرها:
ذكرت صقلية والأسى ... يهيج للنفس تذكارها
فإن كنت أخرجت من جنة ... فإني أحدث أخبارها
ولولا ملوحة ماء البكا ... حسبت دموعي أنهارها وزعموا أن في جزيرة صقلية، في ناحية منها، عينين تجريان: إحداهما أيما امرأة شربت منها حبلت، والأخرى أيما أنثى شربت منها حبلت وتوأمت (?) .
في سنة ثمان وتسعين سار مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية في البر، وعمر بن هبيرة في البحر، فجازا الخليج ودارا ما بين الخليج وبينها، وفتحا مدينة الصقالبة.
بالحجاز، في طريق خيبر، وعلى اثني عشر ميلاً منها، وبها مر صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى خيبر وصلى بها العصر، وبها بنى بصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، وهي على طريق وادي القرى، وقد كان صلى الله عليه وسلم أراد أن يبتني بها بثبار (?) ، على ستة أميال من خيبر، فأبت عليه حتى وجد في نفسه، فلما بلغ الصهباء مال إلى دومة هناك فطاوعته، فقال لها صلى الله عليه وسلم: " ما حملك على ما صنعت حين أردنا النزول بثبار؟ "، فقالت: يا رسول الله خفت عليك يهود، فلما بعدت منهم أمنت، فزادها عنده خيراً وعرف أنها قد صدقته.
قرية بفارس، بها كانت الوقيعة على المسلمين وأميرهم الحكم بن أبي العاصي بن بشير الثقفي أخو عثمان بن أبي العاصي، وقال الشاعر:
وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدة كأمس الدابر