الطاغية رجار الفرنجي يفتحها قطراً قطراً ويأخذها كفراً كفراً إلى أن استولى على جميعها وذلك في مدة ثلاثين عاماً (?) إلا أنه أقر الناس بها على ديانتهم وشرائعهم وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهلهم وذراريهم، وأقام على ذلك مدة حياته إلى أن مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة، فخلفه ابنه رجار الثاني فحذا حذوه وسار بسيرته فركن إليه الناس ورضوا بتسليم الأمور له.

وصقلية اسم لإحدى مدنها فنسبت الجزيرة كلها إليها، وفيها مدن (?) كثيرة، وهي جزيرة عظيمة ضخمة حصينة خطيرة قيل إن فيها مائة بلد وثلاثين بلداً بين مدينة وقلعة غير ما بها من الضياع والمنازل.

وطول هذه الجزيرة سبعة أيام وعرضها خمسة أيام، وفتحت في سنة اثنتي عشرة ومائتين، فتحها زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير القيروان، بعث إليها أسد بن الفرات، كما قدمناه، فمشى في مراكبه إلى سرقوسة، مدينة من مدن الجزيرة، فنزل بمرساها، وقاتل البطريق الذي كان بها حتى قتله.

قالوا: ومعنى صقلية باللسان القديم: تين وزيتون، وهو الذي أراد أبو علي حسن بن رشيق في مدح قاعدتها بلرم المدعوة باللسان العربي المدينة في قوله:

أخت المدينة في اسم لا يشاركها ... فيه سواها من البلدان والتمس

وعظم الله معنى ذكرها قسماً ... قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس يشير إلى قوله تعالى: " والتين والزيتون ".

وقال البكري (?) : سميت صقلية باسم سيقلو أخو ايطال (?) الذي به سميت ايطالية وكانت تعرف قبل تري قريا، ومعناه باللسان الإغريقي: ثلاثة في أربعة (?) ، وإنما ذلك لثلاثة مواضع مشرفة فيها وهي: بلرم التي هي قاعدتها وباجنة ولياوم (?) ، وبين صقلية وبلد إيطالية خليج من البحر.

وقال ارشيوس عرض جزيرة صقلية مائة وسبعة وخمسون ميلاً وطولها مائة وسبعة وسبعون ميلاً، وقال غيره: دور صقلية الذي يحيط بها خمسمائة ميل وطول جزيرة صقلية من جبل بلرم إلى جل بحيتة، وعرضها من جبل باجنة إلى جبل انتسوا عند مرسى علي، ويذكر أنها مثلثة الشكل.

وقال بعضهم: لا أدري جزيرة في البحر أكثر منها بلاداً ولا عمارة أقطار، فالثلث الشرقي منها، من مسيني إلى جزيرة الأديب، مائتا ميل، ومن جزيرة الأديب إلى طرابنش أربعمائة ميل وخمسون ميلاً، وهو الوجه الجنوبي، والوجه الثالث من طرابنش إلى الحراش اثنان وخمسون ميلاً. وهي كثيرة الزرع والضرع والفواكه، وبلرم قاعدتها في شمال الجزيرة على سبع ليال من المجاز.

وبجزيرة صقلية البركان العظيم (?) الذي لا يعلم في العالم أشنع منظراً منه ولا أغرب خبراً، وهو في جزيرتين شمالاً من هذه الجزيرة، وإذا هبت الريح الجوفية سمع له دوي هائل كالرعد القاصف.

وقد كان بروفوريوس الفيلسوف شخص من مدينة صور إلى صقلية لينظر إلى البركان ويعاين فعل الطبيعة هناك ويخبر عنه وعن العلة فيه بقول واضح، فمات بها وقبره بها معروف، وقبر جالينوس أيضاً هناك معلوم، وكان قد شخص من مدينة رومة يريد الشام ليلقى أصحاب عيسى عليه السلام.

وبصقلية مياه حامضة، وبها معدن من الكبريت الأصفر الذي لا يوجد بموضع مثله، وهو بجزيرة البركان، وله قطاعون وعمالون عالمون بتناول ذلك قد تمرطت شعورهم وتصلبت (?) أظفارهم، ويذكرون أنهم يجدونه في بعض الأزمنة سيالاً متميعاً فيجدون له في الأرض مواضع يجتمع فيها، ثم يجدونه في غير ذلك الأوان قد تحجر وحمض فيقطعونه بالمعاول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015