بعضه ببعض، وبها دار صناعة الحديد الذي يعجز عن صنعته أهل البلاد لجفائه (?) ، وهي صنعة المراسي التي ترسي بها السفن وقد تغلب عليها المجوس مرات، ويحيط بجزيرة شلطيش البحر من كل ناحية إلا مقدار نصف رمية حجر، فمن هناك يجوزون لاستقاء الماء لشربهم، وطول الجزيرة نحو ميل وأزيد، والمدينة منها في جهة الجنوب، وهذه الجزيرة بازاء مدينة أونبة ومقدار المجاز بينهما أربعة أميال.
وفي صفة استدارة البحر بهذه الجزيرة يقول عبد الجليل بن وهبون من قصيدة يمدح بها المعتمد بن عباد:
ألم تر للجزيرة كيف أوفى ... عليها مثل ما انعطف السوار
أعد بها على شاطيه دستاً ... ومد يداً إليك بها يشار
فإن تقبل تحيته فأجدر ... فربما تواصلت البحار
تحيط كما يحيط بها ولكن ... لسمط الدر في العنق افتخار وكان بهذه الجزيرة بيع للأول واتخذت في الفتنة مدينة، ولها أرباض واسعة، وبها آبار عذبة قريبة الأرشية وبساتين حسنة وفيها أطيب الصنوبر، ولها مراع خصيبة لا تصوح وعيون ماء عذب تصلح بها الألبان والقطاني، ومن خاصتها الثريد النفيس.
ومدينة شلطيش مرفأ للسفن وركاب البحر، ومرساها يكن بكل ريح، وهي كثيرة السفن، وبها دار صناعة لإنشائها، ويسكنها جماعة من النصارى، ويكون طولها نحو أربعة أميال في عرض يسير.
بفتح أوله وثانيه وتشديده، اسم لبيت المقدس، وقال الهمداني: شلم: ايليا، وقد تعربها العرب فتقول: سلم، بالسين المهملة، قال الأعشى:
وقد طفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأوري شلم قال أبو عبيدة: أوري شلم: بيت المقدس، وروي شلم، بكسر الشين.
بالأندلس، من بلاد الأذفونش، وهو حصن من حصون الأندلس من عمل قلعة رباح، كان الملك الناصر أبو عبد الله محمد بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب نزل عليها وحاصرها بالمجانيق الضخام والآلات الحربية حتى قهر أهلها وملكها، وذلك في أول سنة ثمان وستمائة، وكان نزل أولاً على حصن اللج فتملكه، ثم رجع الحصار كله على حصن شلبطرة، فنصب عليها المجانيق ورميت بالحجارة الصم الكبار، وطال حصارها إلى أن ضاق أهلها وأعياهم الأمر، فطلبوا أجلاً يستجلبون فيه ملكهم صاحب طليطلة وقشتيلة الأذفونش بن شانجه، فأعطوا ما طلبوا، فخرج قوم من ثقاتهم إلى طليطلة والتقوا مع ملكهم أذفونش بها أو بغيرها من بلاده وأعلموه. بما انتهوا إليه من الشدة وما بلغوا من الجهد والمشقة، وحملوا إليه بعض أحجار المجانيق التي يرمون بها، فعذرهم، ولم تكن عنده قدرة لدفع ما نزل بهم، ولا استطاع الدفاع عنهم، فأذن لهم في الخروج عنها، فرجعت ثقاتهم بذلك، فطلبوا الخروج مسلمين في أنفسهم فوفى لهم بذلك، ومكنوه من الحصن، وانفصل الناس عنها في صدر ربيع الأول من سنة ثمان وستمائة، وكان الحصار فيها إحدى وخمسين ليلة، ورغم الأذفونش وتنحى ولم يقدر في ذلك الوقت على شيء حتى استغاث بأهل ملته، وكاتب من قرب وبعد منهم وشكا إليهم ما دهاه من المسلمين، وحثهم على حماية دينهم ونصرة ملتهم، فاستجابوا له، وجاءوه من كل جهة وانثالوا عليه، فكان من وقيعة العقاب على الملك الناصر في عام تسعة وستمائة ما هو مذكور في موضعه.
ولما ملك الناصر حصن شلبطرة نفذت عنه المخاطبات بهذا الفتح، فمن فصل من ذلك خاطب به صاحب إفريقية حينئذ الشيخ المعظم أبا محمد عبد الواحد (?) ، وهذا كتابنا إليكم من منزل الموحدين